القول في تأويل قوله تعالى : (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا ( 57 ) )
يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين يدعوهم هؤلاء المشركون أربابا (
يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) يقول :
يبتغي المدعوون أربابا إلى ربهم القربة والزلفة ، لأنهم أهل إيمان به ، والمشركون بالله يعبدونهم من دون الله (
أيهم أقرب ) أيهم بصالح عمله واجتهاده في عبادته أقرب عنده زلفة ( ويرجون ) بأفعالهم تلك ( رحمته ) ويخافون أمره (
عذابه إن عذاب ربك ) يا
محمد (
كان محذورا ) متقى .
[ ص: 472 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل ، غير أنهم اختلفوا في المدعوين ، فقال بعضهم : هم نفر من الجن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
أبو السائب ، قال : ثنا
أبو معاوية ، عن
الأعمش ، عن
إبراهيم ، عن
عبد الله ، في قوله : (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) قال : كان ناس من الإنس يعبدون قوما من الجن ، فأسلم الجن وبقي الإنس على كفرهم ، فأنزل الله تعالى (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) يعني الجن .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي ، قال : ثنا
شعبة ، عن سليمان ، عن
إبراهيم ، عن أبي
معمر ، قال : قال عبد الله في هذه الآية (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ) قال : قبيل من الجن كانوا يعبدون فأسلموا .
حدثني
عبد الوارث بن عبد الصمد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني
الحسين ، عن
قتادة ، عن
معبد بن عبد الله الزماني ، عن
عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن
ابن مسعود ، في قوله (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) قال : نزلت في نفر من العرب كانو يعبدون نفرا من الجن ، فأسلم الجنيون ، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم ، فأنزلت (
الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ) .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، عن
عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن حديث عمه
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، قال : نزلت هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن ، فأسلم الجنيون والنفر من العرب لا يشعرون بذلك .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) قوم عبدوا الجن ، فأسلم أولئك الجن ، فقال الله تعالى ذكره (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
إبراهيم ، عن
أبي معمر ، عن عبد الله (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة )
[ ص: 473 ] قال : كان نفر من الإنس يعبدون نفرا من الجن ، فأسلم النفر من الجن ، واستمسك الإنس بعبادتهم ، فقال (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
ابن عيينة ، عن
الأعمش ، عن
إبراهيم عن
أبي معمر ، قال : قال
عبد الله : كان ناس يعبدون نفرا من الجن ، فأسلم أولئك الجنيون ، وثبتت الإنس على عبادتهم ، فقال الله تبارك وتعالى (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) .
حدثنا
الحسن ، قال : ثنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، في قوله (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ) قال كان أناس من أهل الجاهلية يعبدون نفرا من الجن; فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسلموا جميعا ، فكانوا يبتغون أيهم أقرب .
وقال آخرون : بل هم الملائكة .
حدثني
الحسين بن علي الصدائي ، قال : ثنا
يحيى بن السكن ، قال : أخبرنا
أبو العوام ، قال : أخبرنا
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16465عبد الله بن معبد الزماني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، قال : كان قبائل من العرب يعبدون صنفا من الملائكة يقال لهم الجن ، ويقولون : هم بنات الله ، فأنزل الله عز وجل (
أولئك الذين يدعون ) معشر العرب (
يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) قال : الذين يدعون الملائكة تبتغي إلى ربها الوسيلة (
أيهم أقرب ويرجون رحمته ) حتى بلغ (
إن عذاب ربك كان محذورا ) قال : وهؤلاء الذين عبدوا الملائكة من المشركين .
وقال آخرون : بل
عزير وعيسى ، وأمه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يحيى بن جعفر ، قال : أخبرنا
يحيى بن السكن ، قال : أخبرنا
شعبة ، عن
إسماعيل السدي ، عن
أبي صالح ، عن
ابن عباس ، في قوله (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) قال :
عيسى وأمه
وعزير .
[ ص: 474 ]
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال : ثنا
أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي ، قال : ثنا
شعبة ، عن إسماعيل
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي صالح ، عن
ابن عباس ، قال :
عيسى ابن مريم وأمه
وعزير في هذه الآية (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحرث ، قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) قال :
عيسى ابن مريم وعزير والملائكة .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن مغيرة ، عن
إبراهيم ، قال : كان
ابن عباس يقول في قوله (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) قال : هو
عزير والمسيح والشمس والقمر .
وأولى الأقوال بتأويل هذه الآية قول
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود الذي رويناه . عن
أبي معمر عنه ، وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن الذين يدعوهم المشركون آلهة أنهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم; ومعلوم أن
عزيرا لم يكن موجودا على عهد نبينا عليه الصلاة والسلام ، فيبتغي إلى ربه الوسيلة وأن
عيسى قد كان رفع ، وإنما يبتغي إلى ربه الوسيلة من كان موجودا حيا يعمل بطاعة الله ، ويتقرب إليه بالصالح من الأعمال . فأما من كان لا سبيل له إلى العمل ، فبم يبتغي إلى ربه الوسيلة . فإذ كان لا معنى لهذا القول ، فلا قول في ذلك إلا قول من قال ما اخترنا فيه من التأويل ، أو قول من قال : هم الملائكة ، وهما قولان يحتملهما ظاهر التنزيل ، وأما الوسيلة ، فقد بينا أنها القربة والزلفة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
ابن عباس : الوسيلة : القربة .
[ ص: 475 ]
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : الوسيلة ، قال : القربة والزلفى .