القول في
تأويل قوله تعالى : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا )
[ ص: 488 ] يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر يا
محمد تمادي هؤلاء المشركين في غيهم وارتدادهم عتوا على ربهم بتخويفه إياهم تحقيقهم قول عدوهم وعدو والدهم ، حين أمره ربه بالسجود له فعصاه وأبى السجود له ، حسدا واستكبارا (
لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا ) وكيف صدقوا ظنه فيهم ، وخالفوا أمر ربهم وطاعته ، واتبعوا أمر عدوهم وعدو والدهم .
ويعني بقوله (
وإذ قلنا للملائكة ) :
واذكر إذ قلنا للملائكة (
اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ) فإنه استكبر وقال (
أأسجد لمن خلقت طينا ) يقول : لمن خلقته من طين; فلما حذفت " من " تعلق به قوله ( خلقت ) فنصب ، يفتخر عليه الجاهل بأنه خلق من نار ، وخلق
آدم من طين .
كما حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
يعقوب ، عن
جعفر ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، قال : بعث رب العزة تبارك وتعالى إبليس ، فأخذ من أديم الأرض ، من عذبها وملحها ، فخلق منه آدم ، فكل شيء خلق من عذبها فهو صائر إلى السعادة وإن كان ابن كافرين ، وكل شيء خلقه من ملحها فهو صائر إلى الشقاوة وإن كان ابن نبيين; ومن ثم قال إبليس (
أأسجد لمن خلقت طينا ) : أي هذه الطينة أنا جئت بها ، ومن ثم سمي آدم . لأنه خلق من أديم الأرض .
وقوله (
أرأيتك هذا الذي كرمت علي ) يقول تعالى ذكره : أرأيت هذا الذي كرمته علي ، فأمرتني بالسجود له ، ويعني بذلك
آدم ( لئن أخرتن )
أقسم عدو الله ، فقال لربه : لئن أخرت إهلاكي إلى يوم القيامة ( لأحتنكن ذريته إلا قليلا ) يقول : لأستولين عليهم ، ولأستأصلنهم ، ولأستميلنهم يقال منه : احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم أو غير ذلك; ومنه قول الشاعر :
[ ص: 489 ] نشكو إليك سنة قد أجحفت جهدا إلى جهد بنا فأضعفت
واحتنكت أموالنا وجلفت
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله تبارك وتعالى (
لأحتنكن ذريته إلا قليلا ) قال : لأحتوينهم .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثني
علي ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
لأحتنكن ذريته إلا قليلا ) يقول : لأستولين .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
لأحتنكن ذريته إلا قليلا ) قال : لأضلنهم ، وهذه الألفاظ وإن اختلفت فإنها متقاربات المعنى ، لأن الاستيلاء والاحتواء بمعنى واحد ، وإذا استولى عليهم فقد أضلهم .