[ ص: 510 ] القول في
تأويل قوله تعالى : ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ( 76 ) )
يقول عز وجل : وإن كاد هؤلاء القوم ليستفزونك من الأرض : يقول : ليستخفونك من الأرض التي أنت بها ليخرجوك منها (
وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ) يقول : ولو أخرجوك منها لم يلبثوا بعدك فيها إلا قليلا حتى أهلكهم بعذاب عاجل .
واختلف أهل التأويل في الذين كادوا أن يستفزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوه من الأرض وفي الأرض التي أرادوا أن يخرجوه منها ، فقال بعضهم : الذين كادوا أن يستفزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك
اليهود ، والأرض التي أرادوا أن يخرجوه منها
المدينة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال :
زعم حضرمي أنه بلغه أن بعض اليهود قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أرض الأنبياء أرض الشام ، وإن هذه ليست بأرض الأنبياء ، فأنزل الله ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها ) .
وقال آخرون : بل كان القوم الذين فعلوا ذلك
قريشا ، والأرض
مكة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ) وقد هم أهل مكة بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة ، ولو فعلوا ذلك لما توطنوا ، ولكن الله كفهم عن إخراجه حتى أمره ، ولقلما مع ذلك لبثوا بعد خروج نبي الله صلى الله عليه وسلم من مكة حتى بعث الله عليهم القتل يوم بدر .
حدثني
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
ليستفزونك من الأرض ) قال : قد فعلوا بعد ذلك ، فأهلكهم الله يوم بدر ، ولم يلبثوا بعده إلا قليلا حتى أهلكهم الله يوم بدر . وكذلك كانت سنة الله في الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك .
[ ص: 511 ]
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
خلافك إلا قليلا ) قال : لو أخرجت قريش محمدا لعذبوا بذلك .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول
قتادة ومجاهد ، وذلك أن قوله (
وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ) في سياق خبر الله عز وجل عن
قريش وذكره إياهم ، ولم يجر
لليهود قبل ذلك ذكر ، فيوجه قوله (
وإن كادوا ) إلى أنه خبر عنهم ، فهو بأن يكون خبرا عمن جرى له ذكر أولى من غيره . وأما القليل الذي استثناه الله جل ذكره في قوله (
وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ) فإنه فيما قيل ، ما بين خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من
مكة إلى أن قتل الله من قتل من مشركيهم
ببدر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ) يعني بالقليل يوم أخذهم ببدر ، فكان ذلك هو القليل الذي لبثوا بعد .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله ( وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا ) كان القليل الذي لبثوا بعد خروج النبي من بين أظهرهم إلى بدر ، فأخذهم بالعذاب يوم بدر .
وعني بقوله خلافك بعدك ، كما قال الشاعر :
عقب الرذاذ خلافها فكأنما بسط الشواطب بينهن حصيرا
[ ص: 512 ]
يعني بقوله : خلافها : بعدها . وقد حكي عن بعضهم أنه كان يقرؤها : خلفك . ومعنى ذلك ، ومعنى الخلاف في هذا الموضع واحد .