القول في
تأويل قوله تعالى : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ( 85 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : ويسألك الكفار بالله من
أهل الكتاب عن الروح ما هي؟ قل لهم : الروح من أمر ربي ، وما أوتيتم أنتم وجميع الناس من العلم إلا قليلا وذكر أن الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح ، فنزلت هذه الآية بمسألتهم إياه عنها ، كانوا قوما من
اليهود .
ذكر الرواية بذلك : حدثنا
أبو هشام ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، قال : ثنا
الأعمش ، عن
إبراهيم ، عن
علقمة ، عن
عبد الله ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810767كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة ، ومعه عسيب يتوكأ عليه ، فمر بقوم من اليهود ، [ ص: 542 ] فقال بعضهم : اسألوه عن الروح ، وقال بعضهم : لا تسألوه ، فقام متوكئا على عسيبه ، فقمت خلفه ، فظننت أنه يوحى إليه ، فقال ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فقال بعضهم لبعض : ألم نقل لكم لا تسألوه " .
حدثنا
يحيي بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن
الأعمش ، عن
إبراهيم ، عن
علقمة ، عن
عبد الله ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=811646بينا أنا أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرة بالمدينة ، إذ مررنا على يهود ، فقال بعضهم : سلوه عن الروح ، فقالوا : ما أربكم إلى أن تسمعوا ما تكرهون ، فقاموا إليه ، فسألوه ، فقام فعرفت أنه يوحى إليه ، فقمت مكاني ، ثم قرأ ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فقالوا : ألم ننهكم أن تسألوه " .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال : ثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
داود ، عن
عكرمة ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=811647سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح ، فأنزل الله تعالى ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فقالوا : أتزعم إنا لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة ، وهي الحكمة ، ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) قال : فنزلت ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) قال : ما أوتيتم من علم ، فنجاكم الله به من النار ، فهو كثير طيب ، وهو في علم الله قليل " .
حدثني
إسماعيل بن أبي المتوكل ، قال : ثنا
الأشجعي أبو عاصم الحمصي ، قال : ثنا
إسحاق بن عيسى أبو يعقوب ، قال : ثنا
القاسم بن معن ، عن
الأعمش ، عن
إبراهيم ، عن
علقمة ، عن
عبد الله ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811648إني لمع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة ، إذ أتاه يهودي ، قال : يا أبا القاسم ، ما الروح؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنزل الله عز وجل ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ) .
[ ص: 543 ]
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
ويسألونك عن الروح )
nindex.php?page=hadith&LINKID=812763لقيت اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فتغشوه وسألوه وقالوا : إن كان نبيا علم ، فسيعلم ذلك ، فسألوه عن الروح ، وعن أصحاب الكهف ، وعن ذي القرنين ، فأنزل الله في كتابه ذلك كله ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) يعني اليهود " .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله (
ويسألونك عن الروح ) قال : يهود تسأل عنه .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد (
ويسألونك عن الروح ) قال : يهود تسأله .
حدثنا
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله (
ويسألونك عن الروح ) . . . . الآية : " وذلك أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=812389اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرنا ما الروح ، وكيف تعذب الروح التي في الجسد ، وإنما الروح من الله عز وجل ، ولم يكن نزل عليه فيه شيء ، فلم يجر إليهم شيئا ، فأتاه جبرائيل عليه السلام ، فقال له ( قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، قالوا له : من جاءك بهذا؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " جاءني به جبريل من عند الله ، فقالوا : والله ما قاله لك إلا عدو لنا ، فأنزل الله تبارك اسمه ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك ) . . . الآية .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
إبراهيم ، عن عبد الله ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811649كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فمررنا بأناس من اليهود ، فقالوا : يا أبا القاسم ما الروح؟ فأسكت . فرأيت أنه يوحى إليه ، قال : فتنحيت عنه إلى سباطة ، فنزلت عليه ( ويسألونك عن الروح ) . . . . الآية ، فقالت اليهود : هكذا نجده عندنا " .
[ ص: 544 ]
واختلف أهل التأويل في الروح الذي ذكر في هذا الموضع ما هي؟ فقال بعضهم : هي
جبرئيل عليه السلام .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
ويسألونك عن الروح ) قال : هو جبرائيل ، قال
قتادة : وكان
ابن عباس يكتمه .
وقال آخرون : هي ملك من الملائكة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
ويسألونك عن الروح ) قال : الروح : ملك .
حدثني
علي ، قال : ثنا
عبد الله بن صالح ، قال : ثني
أبو مروان يزيد بن سمرة صاحب قيسارية ، عمن حدثه عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، أنه قال في قوله (
ويسألونك عن الروح ) قال : هو ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه ، لكل وجه منها سبعون ألف لسان ، لكل لسان منها سبعون ألف لغة يسبح الله عز وجل بتلك اللغات كلها ، يخلق الله من كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة .
وقد بينا معنى الروح في غير هذا الموضع من كتابنا ، بما أغنى عن إعادته .
وأما قوله (
من أمر ربي ) فإنه يعني : أنه من الأمر الذي يعلمه الله عز وجل دونكم ، فلا تعلمونه ويعلم ما هو .
وأما قوله (
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني بقوله (
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فقال بعضهم : عنى بذلك : الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح وجميع الناس غيرهم ، ولكن لما ضم غير المخاطب إلى المخاطب ، خرج الكلام على المخاطبة ، لأن العرب كذلك تفعل إذا اجتمع في الكلام مخبر عنه غائب ومخاطب ، أخرجوا الكلام خطابا للجميع .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، قال : ثنا
محمد بن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار ، قال : نزلت
بمكة (
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )
فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة [ ص: 545 ] أتاه أحبار يهود ، فقالوا : يا محمد ألم يبلغنا أنك تقول ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) أفعنيتنا أم قومك؟ قال : كلا قد عنيت ، قالوا : فإنك تتلو أنا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي في علم الله قليل ، وقد آتاكم ما إن عملتم به انتفعتم ، فأنزل الله ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ) . . . . إلى قوله ( إن الله سميع بصير ) .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قوله عز وجل (
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) قال : يا محمد والناس أجمعون .
وقال آخرون : بل عنى بذلك الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح خاصة دون غيرهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) يعني : اليهود .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : خرج الكلام خطابا لمن خوطب به ، والمراد به جميع الخلق ، لأن علم كل أحد سوى الله ، وإن كثر في علم الله قليل .
وإنما معنى الكلام : وما أوتيتم أيها الناس من العلم إلا قليلا من كثير مما يعلم الله .