القول في
تأويل قوله تعالى : ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ( 7 )
وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ( 8 ) )
[ ص: 597 ] يعني تعالى ذكره بذلك : فلعلك يا
محمد قاتل نفسك ومهلكها على آثار قومك الذين قالوا لك (
لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) تمردا منهم على ربهم ، إن هم لم يؤمنوا بهذا الكتاب الذي أنزلته عليك ، فيصدقوا بأنه من عند الله حزنا وتلهفا ووجدا ، بإدبارهم عنك ، وإعراضهم عما أتيتهم به وتركهم الإيمان بك . يقال منه : بخع فلان نفسه يبخعها بخعا وبخوعا ، ومنه قول ذي الرمة :
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر
يريد : نحته فخفف .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : ( باخع ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
فلعلك باخع نفسك ) يقول : قاتل نفسك .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، مثله .
وأما قوله : ( أسفا ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : فلعلك باخع نفسك إن لم يؤمنوا بهذا الحديث غضبا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، [ ص: 598 ] عن
قتادة (
إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) قال : غضبا .
وقال آخرون : جزعا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى " ح " ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله ( أسفا ) قال : جزعا .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : معناه : حزنا عليهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : ( أسفا ) قال : حزنا عليهم .
وقد بينا معنى الأسف فيما مضى من كتابنا هذا ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وهذه معاتبة من الله عز ذكره على وجده بمباعدة قومه إياه فيما دعاهم إليه من الإيمان بالله ، والبراءة من الآلهة والأنداد ، وكان بهم رحيما .
وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق (
فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) يعاتبه على حزنه عليهم حين فاته ما كان يرجو منهم : أي لا تفعل .
وقوله : (
إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ) يقول عز ذكره : إنا جعلنا ما على الأرض زينة للأرض (
لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) يقول : لنختبر عبادنا أيهم أترك لها وأتبع لأمرنا ونهينا وأعمل فيها بطاعتنا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى " ح " ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
ما على الأرض زينة لها ) قال : ما عليها من شيء .
[ ص: 599 ]
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ) ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810774إن الدنيا خضرة حلوة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء " .
وأما قوله : (
لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) فإن أهل التأويل قالوا في تأويله نحو قولنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
أبو عاصم العسقلاني ، قال : (
لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) قال : أترك لها .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق (
إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) اختبارا لهم أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي .
وقوله : (
وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) يقول عز ذكره : وإنا لمخربوها بعد عمارتناها بما جعلنا عليها من الزينة ، فمصيروها صعيدا جرزا لا نبات عليها ولا زرع ولا غرس ، وقد قيل : إنه أريد بالصعيد في هذا الموضع : المستوي بوجه الأرض ، وذلك هو شبيه بمعنى قولنا في ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، وبمعنى الجرز ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) يقول : يهلك كل شيء عليها ويبيد .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
صعيدا جرزا ) قال : بلقعا .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
[ ص: 600 ]
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) والصعيد : الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق (
وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) يعني : الأرض إن ما عليها لفان وبائد ، وإن المرجع لإلي ، فلا تأس ، ولا يحزنك ما تسمع وترى فيها .
حدثنا
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله (
صعيدا جرزا ) قال : الجرز : الأرض التي ليس فيها شيء ، ألا ترى أنه يقول : (
أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا ) قال : والجرز : لا شيء فيها ، لا نبات ولا منفعة ، والصعيد : المستوي . وقرأ : (
لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) قال : مستوية : يقال : جرزت الأرض فهي مجروزة ، وجرزها الجراد والنعم ، وأرضون أجراز : إذا كانت لا شيء فيها ، ويقال للسنة المجدبة : جرز وسنون أجراز لجدوبها ويبسها وقلة أمطارها ، قال الراجز :
قد جرفتهن السنون الأجراز
يقال : أجرز القوم : إذا صارت أرضهم جرزا ، وجرزوا هم أرضهم : إذا أكلوا نباتها كله .