القول في
تأويل قوله تعالى : ( فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا )
يعني جل ثناؤه بقوله : (
فضربنا على آذانهم في الكهف ) : فضربنا على آذانهم بالنوم في الكهف : أي ألقينا عليهم النوم ، كما يقول القائل لآخر : ضربك الله بالفالج ، بمعنى ابتلاه الله به ، وأرسله عليه . وقوله : (
سنين عددا ) يعني سنين معدودة ، ونصب العدد بقوله ( فضربنا ) .
وقوله : (
ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى ) يقول :
ثم بعثنا هؤلاء الفتية الذين أووا إلى الكهف بعد ما ضربنا على آذانهم فيه سنين عددا من رقدتهم ، لينظر عبادي فيعلموا بالبحث ، أي الطائفتين اللتين اختلفتا في قدر مبلغ مكث الفتية في كهفهم رقودا (
أحصى لما لبثوا أمدا ) يقول :
أصوب لقدر لبثهم فيه أمدا ، ويعني بالأمد : الغاية ، كما قال
النابغة :
إلا لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجواد إذا استولى على الأمد
وذكر أن الذين اختلفوا في ذلك من أمورهم ، قوم من قوم الفتية ، فقال بعضهم : كان الحزبان جميعا كافرين . وقال بعضهم : بل كان أحدهما مسلما ، والآخر كافرا .
ذكر من قال كان الحزبان من قوم الفتية : حدثني
محمد بن عمرو ، [ ص: 614 ] قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
أي الحزبين ) من قوم الفتية .
حدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، بنحوه .
حدثني
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ) يقول : ما كان لواحد من الفريقين علم ، لا لكفارهم ولا لمؤمنيهم .
وأما قوله : ( أمدا ) فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه ، فقال بعضهم : معناه : بعيدا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
لما لبثوا أمدا ) يقول : بعيدا .
وقال آخرون : معناه : عددا .
ذكر من قال ذلك : حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ( أمدا ) قال : عددا .
حدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
وفي نصب قوله ( أمدا ) وجهان : أحدهما أن يكون منصوبا على التفسير من قوله ( أحصى ) كأنه قيل : أي الحزبين أصوب عددا لقدر لبثهم .
وهذا هو أولى الوجهين في ذلك بالصواب ، لأن تفسير أهل التفسير بذلك جاء .
والآخر : أن يكون منصوبا بوقوع قوله ( لبثوا ) عليه ، كأنه قال : أي الحزبين أحصى للبثهم غاية .