القول في
تأويل قوله تعالى : ( وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ( 18 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : وتحسب يا
محمد هؤلاء الفتية الذين قصصنا عليك قصتهم ، لو رأيتهم في حال ضربنا على آذانهم في كهفهم الذي أووا إليه أيقاظا . والأيقاظ : جمع يقظ ، ومنه قول الراجز :
ووجدوا إخوتهم أيقاظا وسيف غياظ لهم غياظا
[ ص: 624 ]
وقوله : (
وهم رقود ) يقول : وهم نيام ، والرقود : جمع راقد ، كالجلوس : جمع جالس ، والقعود : جمع قاعد ، وقوله (
ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) يقول جل ثناؤه : ونقلب هؤلاء الفتية في رقدتهم مرة للجنب الأيمن ، ومرة للجنب الأيسر .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) وهذا التقليب في رقدتهم الأولى ، قال : وذكر لنا أن
أبا عياض قال : لهم في كل عام تقليبتان .
حدثت عن
يزيد ، قال : أخبرنا
سفيان بن حسين ، عن
يعلى بن مسلم عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) قال : لو أنهم لا يقلبون لأكلتهم الأرض .
وقوله : (
وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله بقوله : (
وكلبهم باسط ذراعيه ) فقال بعضهم : هو كلب من كلابهم كان معهم ، وقد ذكرنا كثيرا ممن قال ذلك فيما مضى ، وقال بعضهم : كان إنسانا من الناس طباخا لهم تبعهم .
وأما الوصيد ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : هو الفناء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : ( بالوصيد ) يقول : بالفناء .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا
محمد بن أبي الوضاح ، عن
سالم الأفطس ، عن
سعيد بن جبير (
وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) قال : بالفناء .
[ ص: 625 ]
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ( بالوصيد ) قال : بالفناء .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ( بالوصيد ) قال : بالفناء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : يمسك باب الكهف .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) يقول : بفناء الكهف .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، قوله : ( بالوصيد ) قال : بفناء الكهف .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد بن سليمان ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : ( بالوصيد ) قال : يعني بالفناء .
وقال آخرون : الوصيد : الصعيد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) يعني فناءهم ، ويقال : الوصيد : الصعيد .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
يعقوب ، عن
هارون ، عن
عنترة ، عن
سعيد بن جبير ، في قوله : (
وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) قال : الوصيد : الصعيد .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
الحكم بن بشير ، عن
عمرو ، في قوله : (
وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) قال : الوصيد : الصعيد ، التراب .
وقال آخرون : الوصيد الباب .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا
أبو عاصم ، عن
شبيب ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس (
وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) قال : بالباب ، وقالوا بالفناء .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : الوصيد : الباب ، أو فناء الباب حيث يغلق الباب ، وذلك أن الباب يوصد ، وإيصاده : إطباقه وإغلاقه
[ ص: 626 ] من قول الله عز وجل : (
إنها عليهم مؤصدة ) وفيه لغتان : الأصيد ، وهي لغة أهل نجد ، والوصيد : وهي لغة أهل
تهامة وذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو بن العلاء ، قال : إنها لغة أهل
اليمن ، وذلك نظير قولهم : ورخت الكتاب وأرخته ، ووكدت الأمر وأكدته ، فمن قال الوصيد ، قال : أوصدت الباب فأنا أوصده ، وهو موصد ، ومن قال الأصيد ، قال : آصدت الباب فهو مؤصد ، فكان معنى الكلام : وكلبهم باسط ذراعيه بفناء كهفهم عند الباب ، يحفظ عليهم بابه .
وقوله : (
لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ) يقول : لو اطلعت عليهم في رقدتهم التي رقدوها في كهفهم ، لأدبرت عنهم هاربا منهم فارا ، (
ولملئت منهم رعبا ) يقول :
ولملئت نفسك من اطلاعك عليهم فزعا ، لما كان الله ألبسهم من الهيبة ، كي لا يصل إليهم واصل ، ولا تلمسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله ، وتوقظهم من رقدتهم قدرته وسلطانه في الوقت الذي أراد أن يجعلهم عبرة لمن شاء من خلقه ، وآية لمن أراد الاحتجاج بهم عليه من عباده ، ليعلموا أن وعد الله حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها .
واختلفت القراء في قراءة قوله : (
ولملئت منهم رعبا ) فقرأته عامة قراء المدينة بتشديد اللام من قوله : ( ولملئت ) بمعنى أنه كان يمتلئ مرة بعد مرة . وقرأ ذلك عامة قراء
العراق : ( ولملئت ) بالتخفيف ، بمعنى : لملئت مرة ، وهما عندنا قراءتان مستفيضتان في القراءة ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .