القول في تأويل قوله تعالى : (
قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ( 37 )
لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا ( 38 ) )
يقول تعالى ذكره : قال لصاحب الجنتين صاحبه الذي هو أقل منه مالا وولدا ، (
وهو يحاوره ) : يقول : وهو يخاطبه ويكلمه : (
أكفرت بالذي خلقك من تراب ) يعني خلق أباك
آدم من تراب (
ثم من نطفة ) يقول : ثم أنشأك من نطفة الرجل والمرأة ، (
ثم سواك رجلا ) يقول : ثم عدلك بشرا سويا رجلا ذكرا لا أنثى ، يقول : أكفرت بمن فعل بك هذا أن يعيدك خلقا جديدا بعد ما تصير رفاتا (
لكنا هو الله ربي ) يقول : أما أنا فلا أكفر بربي ، ولكن أنا هو الله ربي ، معناه أنه يقول : ولكن أنا أقول : هو الله ربي (
ولا أشرك بربي أحدا ) . وفي قراءة ذلك وجهان : أحدهما لكن هو الله ربي بتشديد النون وحذف الألف في حال الوصل ، كما يقال : أنا قائم فتحذف الألف من أنا ، وذلك قراءة عامة قراء أهل
العراق . وأما في الوقف فإن القراءة كلها تثبت فيها الألف ، لأن النون إنما شددت لاندغام النون من لكن ، وهي ساكنة في النون التي من أنا ، إذ سقطت الهمزة التي في أنا ، فإذا وقف عليها ظهرت الألف التي في أنا ، فقيل : لكنا ، لأنه يقال في الوقف على أنا بإثبات الألف لا بإسقاطها . وقرأ ذلك جماعة من أهل
الحجاز : ( لكنا ) بإثبات الألف في الوصل والوقف ، وذلك وإن كان مما ينطق به في ضرورة الشعر ، كما قال الشاعر :
[ ص: 24 ] أنا سيف العشيرة فاعرفوني حميدا قد تذريت السناما
فأثبت الألف في أنا ، فليس ذلك بالفصيح من الكلام ، والقراءة التي هي القراءة الصحيحة عندنا ما ذكرنا عن العراقيين ، وهو حذف الألف من "لكن" في الوصل ، وإثباتها في الوقف .