القول في تأويل قوله تعالى : (
فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا ( 40 )
أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا ( 41 ) )
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن الموقن للمعاد إلى الله للكافر المرتاب في قيام الساعة : إن ترن أيها الرجل أنا أقل منك مالا وولدا في الدنيا ، فعسى ربي أن يرزقني خيرا من بستانك هذا (
ويرسل عليها ) يعني على جنة الكافر التي قال لها : ما أظن أن تبيد هذه أبدا (
حسبانا من السماء ) يقول : عذابا من السماء ترمي به رميا ، وتقذف . والحسبان : جمع حسبانة ، وهي المرامي .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ويرسل عليها حسبانا من السماء ) عذابا .
حدثت عن
محمد بن يزيد ، عن
جويبر ، عن
الضحاك ، قال : عذابا .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
ويرسل عليها حسبانا من السماء ) قال : عذابا ، قال : الحسبان : قضاء من الله يقضيه .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قال : الحسبان : العذاب .
حدثنا
الحسن بن محمد ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، في قوله (
حسبانا من السماء ) قال : عذابا .
وقوله : (
فتصبح صعيدا زلقا ) يقول عز ذكره : فتصبح جنتك هذه أيها الرجل أرضا ملساء لا شيء فيها ، قد ذهب كل ما فيها من غرس ونبت ، وعادت
[ ص: 26 ] خرابا بلاقع ، زلقا ، لا يثبت في أرضها قدم لا ملساسها ، ودروس ما كان نابتا فيها .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
فتصبح صعيدا زلقا ) : أي قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
ابن عباس : (
فتصبح صعيدا زلقا ) قال : مثل الجرز .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال
ابن زيد ، في قوله : (
فتصبح صعيدا زلقا ) قال : صعيدا زلقا وصعيدا جرزا واحد ليس فيها شيء من النبات .
وقوله : (
أو يصبح ماؤها غورا ) يقول : أو يصبح ماؤها غائرا ، فوضع الغور وهو مصدر مكان الغائر ، كما قال الشاعر :
تظل جياده نوحا عليه مقلدة أعنتها صفونا
بمعنى نائحة ، وكما قال الآخر :
هريقي من دموعهما سجاما ضباع وجاوبي نوحا قياما
والعرب توحد الغور مع الجمع والاثنين ، وتذكر مع المذكر والمؤنث ، تقول : ماء غور ، وماءان غور ومياه غور .
ويعني بقوله : ( غورا ) ذاهبا قد غار في الأرض ، فذهب فلا تلحقه الرشاء .
[ ص: 27 ]
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
أو يصبح ماؤها غورا ) أي ذاهبا قد غار في الأرض .
وقوله : (
فلن تستطيع له طلبا ) يقول : فلن تطيق أن تدرك الماء الذي كان في جنتك بعد غوره ، بطلبك إياه .