القول في تأويل قوله تعالى : (
ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا ( 43 )
هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا ( 44 ) )
يقول تعالى ذكره : ولم يكن لصاحب هاتين الجنتين فئة ، وهم الجماعة ، كما قال
عجاج :
كما يحوز الفئة الكمي
[ ص: 28 ]
وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل ، وإن خالف بعضهم في العبارة عنه عبارتنا ، فإن معناهم نظير معنانا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى "ح" ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله عز وجل : (
ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله ) قال : عشيرته .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله ) : أي جند ينصرونه ، وقوله : (
ينصرونه من دون الله ) يقول : يمنعونه من عقاب الله وعذاب الله إذا عاقبه وعذبه .
وقوله (
وما كان منتصرا ) يقول : ولم يكن ممتنعا من عذاب الله إذا عذبه .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وما كان منتصرا ) : أي ممتنعا .
وقوله : (
هنالك الولاية لله الحق ) يقول عز ذكره : ثم وذلك حين حل عذاب الله بصاحب الجنتين في القيامة .
واختلفت القراء في قراءة قوله الولاية ، فقرأ بعض أهل
المدينة والبصرة والكوفة (
هنالك الولاية ) بفتح الواو من الولاية ، يعنون بذلك : هنالك الموالاة لله ، كقول الله : (
الله ولي الذين آمنوا ) وكقوله : (
ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين ) يذهبون بها إلى الولاية في الدين . وقرأ ذلك عامة قراء
الكوفة ( " هنالك الولاية " ) بكسر الواو : من الملك والسلطان ، من قول القائل : وليت عمل كذا ، أو بلدة كذا أليه ولاية .
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ بكسر الواو ، وذلك أن الله عقب ذلك خبره عن ملكه وسلطانه ، وأن من أحل به نقمته يوم القيامة فلا ناصر له يومئذ ، فإتباع ذلك الخبر عن انفراده بالمملكة والسلطان أولى من الخبر عن الموالاة التي لم يجر لها ذكر ولا معنى ، لقول من قال : لا يسمى سلطان الله ولاية ، وإنما يسمى ذلك سلطان البشر ، لأن الولاية معناها أنه يلي أمر خلقه منفردا به دون جميع خلقه ، لا أنه يكون أميرا عليهم .
واختلفوا أيضا في قراءة قوله ( الحق ) فقرأ ذلك عامة قراء
المدينة والعراق خفضا ، على توجيهه إلى أنه من نعت الله ، وإلى أن معنى الكلام : هنالك الولاية لله الحق ألوهيته ، لا الباطل بطول ألوهيته التي يدعونها المشركون بالله آلهة ، وقرأ ذلك بعض أهل
البصرة وبعض متأخري
الكوفيين (
لله الحق ) برفع الحق توجيها منهما إلى أنه من نعت الولاية ، ومعناه : هنالك الولاية الحق ، لا الباطل لله وحده لا شريك له .
وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأه خفضا على أنه من نعت الله ، وأن معناه ما وصفت على قراءة من قرأه كذلك .
وقوله : (
هو خير ثوابا ) يقول عز ذكره : خير للمنيبين في العاجل والآجل ثوابا (
وخير عقبا ) يقول : وخيرهم عاقبة في الآجل إذا صار إليه المطيع له ، العامل بما أمره الله ، والمنتهي عما نهاه الله عنه ، والعقب هو العاقبة ، يقال : عاقبة أمر كذا وعقباه وعقبه ، وذلك آخره وما يصير إليه منتهاه .
وقد اختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
الكوفة ( عقبا ) بضم العين وتسكين القاف .
[ ص: 30 ] والقول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .