القول في تأويل
قوله تعالى : ( فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ( 61 ) )
يعني تعالى ذكره : فلما بلغ
موسى وفتاه
مجمع البحرين ، كما حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله (
مجمع بينهما ) قال : بين البحرين .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
وقوله : (
نسيا حوتهما ) يعني بقوله : نسيا : تركا .
كما حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
نسيا حوتهما ) قال : أضلاه .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، قال : أضلاه .
قال بعض أهل العربية : إن الحوت كان مع
يوشع ، وهو الذي نسيه ، فأضيف النسيان إليهما ، كما قال (
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) وإنما يخرج من الملح دون العذب .
وإنما جاز عندي أن يقال : ( نسيا ) لأنهما كانا جميعا تزوداه لسفرهما ، فكان حمل أحدهما ذلك مضافا إلى أنه حمل منهما ، كما يقال : خرج القوم من موضع
[ ص: 58 ] كذا ، وحملوا معهم كذا من الزاد ، وإنما حمله أحدهما ولكنه لما كان ذلك عن رأيهم وأمرهم أضيف ذلك إلى جميعهم ، فكذلك إذا نسيه حامله في موضع قيل : نسي القوم زادهم ، فأضيف ذلك إلى الجميع بنسيان حامله ذلك ، فيجري الكلام على الجميع والفعل من واحد ، فكذلك ذلك في قوله : (
نسيا حوتهما ) لأن الله عز ذكره خاطب العرب بلغتها ، وما يتعارفونه بينهم من الكلام .
وأما قوله : (
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) فإن القول في ذلك عندنا بخلاف ما قال فيه ، وسنبينه إن شاء الله تعالى إذا انتهينا إليه .
وأما قوله : (
فاتخذ سبيله في البحر سربا ) فإنه يعني أن الحوت اتخذ طريقه الذي سلكه في البحر سربا .
كما حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد (
فاتخذ سبيله في البحر سربا ) قال : الحوت اتخذ . ويعني بالسرب : المسلك والمذهب ، يسرب فيه : يذهب فيه ويسلكه .
ثم اختلف أهل العلم في صفة اتخاذه سبيله في البحر سربا ، فقال بعضهم : صار طريقه الذي يسلك فيه كالجحر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
ابن عباس ، قوله ( سربا ) قال : أثره كأنه جحر .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، قال : ثني
محمد بن إسحاق ، عن
الزهري ، عن
عبيد الله بن عبد الله عن
ابن عباس ، عن
أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر حديث ذلك : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=811660ما انجاب ماء منذ كان الناس غيره ثبت مكان الحوت الذي فيه فانجاب كالكوة حتى رجع إليه موسى ، فرأى مسلكه ، فقال : ذلك ما كنا نبغي " .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
ابن عطية ، قال : ثنا
عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، في قوله (
فاتخذ سبيله في البحر سربا )
[ ص: 59 ] قال : جاء فرأى أثر جناحيه في الطين حين وقع في الماء ، قال
ابن عباس (
فاتخذ سبيله في البحر سربا ) وحلق بيده .
وقال آخرون : بل صار طريقه في البحر ماء جامدا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قال : سرب من الجر حتى أفضى إلى البحر ، ثم سلك ، فجعل لا يسلك فيه طريقا إلا صار ماء جامدا .
وقال آخرون : بل صار طريقه في البحر حجرا .
ذكر من قال ذلك : - حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قال : حمل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة .
وقال آخرون : بل إنما اتخذ سبيله سربا في البر إلى الماء ، حتى وصل إليه لا في البحر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
فاتخذ سبيله في البحر سربا ) قال : قال : حشر الحوت في البطحاء بعد موته حين أحياه الله ، قال
ابن زيد ، وأخبرني
أبو شجاع أنه رآه قال : أتيت به فإذا هو شقة حوت وعين واحدة ، وشق آخر ليس فيه شيء .
والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله عز وجل : واتخذ الحوت طريقه في البحر سربا . وجائز أن يكون ذلك السرب كان بانجياب عن الأرض ، وجائز أن يكون كان بجمود الماء ، وجائز أن يكون كان بتحوله حجرا .
وأصح الأقوال فيه ما روي الخبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا عن
أبي عنه .