القول في
تأويل قوله تعالى : ( وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا ( 5 )
يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا ( 6 ) )
[ ص: 144 ] يقول : وإني خفت بني عمي وعصبتي من ورائي : يقول : من بعدي أن يرثوني ، وقيل : عنى بقوله (
من ورائي ) من قدامي ومن بين يدي ; وقد بينت جواز ذلك فيما مضى قبل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وإني خفت الموالي من ورائي ) يعني بالموالي : الكلالة الأولياء أن يرثوه ، فوهب الله له يحيى .
حدثنا
يحيى بن داود الواسطي ، قال : ثنا
أبو أسامة ، عن
إسماعيل ، عن
أبي صالح في قوله : (
وإني خفت الموالي من ورائي ) قال : العصبة .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
جابر بن نوح ، عن
إسماعيل ، عن
أبي صالح في قوله (
وإني خفت الموالي من ورائي ) قال : خاف موالي الكلالة .
حدثنا
مجاهد بن موسى ، قال : ثنا
يزيد ، قال : أخبرنا
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
أبي صالح بنحوه .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
أبي صالح (
وإني خفت الموالي من ورائي ) قال : يعني الكلالة .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله (
خفت الموالي من ورائي ) قال : العصبة .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، قوله (
وإني خفت الموالي من ورائي ) قال : العصبة .
حدثني
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
وإني خفت الموالي من ورائي ) والموالي : هن العصبة ، والموالي : جمع مولى ، والمولى
[ ص: 145 ] والولي في كلام العرب واحد . وقرأت قراء الأمصار (
وإني خفت الموالي ) بمعنى : الخوف الذي هو خوف الأمن . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان أنه قرأه : "وإني خفت الموالي " بتشديد الفاء وفتح الخاء من الخفة ، كأنه وجه تأويل الكلام : وإني ذهبت عصبتي ومن يرثني من بني أعمامي . وإذا قرئ ذلك كذلك كانت الياء من الموالي مسكنة غير متحركة ، لأنها تكون في موضع رفع بخفت .
وقوله (
وكانت امرأتي عاقرا ) يقول : وكانت زوجتي لا تلد ، يقال منه : رجل عاقر ، وامرأة عاقر بلفظ واحد ، كما قال الشاعر :
لبئس الفتى أن كنت أعور عاقرا جبانا فما عذري لدى كل محضر
وقوله (
فهب لي من لدنك وليا ) يقول : فارزقني من عندك ولدا وارثا ومعينا .
وقوله : (
يرثني ويرث من آل يعقوب ) يقول : يرثني من بعد وفاتي مالي ، ويرث من آل
يعقوب النبوة ، وذلك أن
زكريا كان من ولد
يعقوب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
جابر بن نوح ، عن
إسماعيل ، عن
أبي صالح ، قوله (
يرثني ويرث من آل يعقوب ) يقول : يرث مالي ، ويرث من آل يعقوب النبوة .
حدثنا
مجاهد ، قال : ثنا
يزيد ، قال : أخبرنا
إسماعيل ، عن
أبي صالح في قوله (
يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : يرث مالي ، ويرث من آل يعقوب النبوة .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
أبي صالح ، في قوله (
يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : يرثني مالي ، ويرث من آل يعقوب النبوة .
[ ص: 146 ]
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
أبي صالح ، في قوله (
يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : يكون نبيا كما كانت آباؤه أنبياء .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : وكان وراثته علما ، وكان زكريا من ذرية يعقوب .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، قال : كان وراثته علما ، وكان
زكريا من ذرية
يعقوب .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، عن
الحسن ، في قوله (
يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : نبوته وعلمه .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
جابر بن نوح ، عن
مبارك ، عن
الحسن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
رحم الله أخي زكريا ، ما كان عليه من ورثة ماله حين يقول فهب لي من لدنك وليا ، يرثني ويرث من آل يعقوب " .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : كان
الحسن يقول : يرث نبوته وعلمه . قال
قتادة : ذكر لنا "
أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية ، وأتى على ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : رحم الله زكريا ما كان عليه من ورثته " .
حدثنا
الحسن ، قال أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=811668يرحم الله زكريا وما عليه من ورثته ، ويرحم الله لوطا إن كان ليأوي إلى ركن شديد " .
حدثني
موسى ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي [ ص: 147 ] (
فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب .
واختلفت القراء في قراءة قوله : (
يرثني ويرث من آل يعقوب ) فقرأت ذلك عامة قراء
المدينة ومكة وجماعة من أهل
الكوفة :
(
يرثني ويرث ) برفع الحرفين كليهما ، بمعنى فهب الذي يرثني ويرث من آل
يعقوب ، على أن يرثني ويرث من آل
يعقوب ، من صلة الولي . وقرأ ذلك جماعة من قراء أهل
الكوفة والبصرة : (
يرثني ويرث ) بجزم الحرفين على الجزاء والشرط ، بمعنى : فهب لي من لدنك وليا فإنه يرثني إذا وهبته لي . وقال الذين قرءوا ذلك كذلك : إنما حسن ذلك في هذا الموضع ، لأن يرثني من آية غير التي قبلها . قالوا وإنما يحسن أن يكون مثل هذا صلة ، إذا كان غير منقطع عما هو له صلة ، كقوله : (
ردءا يصدقني ) .
قال
أبو جعفر : وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب قراءة من قرأه برفع الحرفين على الصلة للولي ، لأن الولي نكرة ، وأن زكريا إنما سأل ربه أن يهب له وليا يكون بهذه الصفة ، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا أنه سأله وليا ، ثم أخبر أنه إذا وهب له ذلك كانت هذه صفته ، لأن ذلك لو كان كذلك ، كان ذلك من
زكريا دخولا في علم الغيب الذي قد حجبه الله عن خلقه .
وقوله (
واجعله رب رضيا ) يقول : واجعل يا رب الولي الذي تهبه لي مرضيا ترضاه أنت ويرضاه عبادك دينا وخلقا وخلقا . والرضي : فعيل صرف من مفعول إليه .