[ ص: 374 ] القول في تأويل قوله تعالى : (
وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر )
قال
أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : (
وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) ، وما التعمير - وهو طول البقاء - بمزحزحه من عذاب الله .
وقوله : ( هو ) عماد لطلب "ما" الاسم أكثر من طلبها الفعل ، كما قال الشاعر :
فهل هو مرفوع بما ههنا رأس
و"أن" التي في : ( أن يعمر ) ، رفع ، ب "مزحزحه" ، و"هو" الذي مع "ما" تكرير ، عماد للفعل ، لاستقباح العرب النكرة قبل المعرفة .
وقد قال بعضهم : إن "هو" الذي مع "ما" كناية ذكر العمر ، كأنه قال :
يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ، وما ذلك العمر بمزحزحه من العذاب . وجعل "أن يعمر" مترجما عن "هو" يريد ما هو بمزحزحه التعمير .
وقال بعضهم : قوله : (
وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) ، نظير قولك : ما زيد بمزحزحه أن يعمر .
قال
أبو جعفر : وأقرب هذه الأقوال عندنا إلى الصواب ما قلنا ، وهو أن يكون "هو" عمادا ، نظير قولك : "ما هو قائم عمرو" .
[ ص: 375 ]
وقد قال قوم من أهل التأويل : إن "أن" التي في قوله : "أن يعمر" بمعنى : وإن عمر ، وذلك قول لمعاني كلام العرب المعروف مخالف .
ذكر من قال ذلك :
1597 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
آدم قال : حدثنا
أبو جعفر ، عن
الربيع ، عن
أبي العالية : (
وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) ، يقول : وإن عمر .
1598 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع مثله .
1599 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : "أن يعمر" - ولو عمر .
وأما تأويل قوله : ( بمزحزحه ) ، فإنه بمبعده ومنحيه ، كما قال
الحطيئة :
وقالوا : تزحزح ما بنا فضل حاجة إليك ، وما منا لوهيك راقع
يعني بقوله : "تزحزح" ، تباعد ، يقال منه : "زحزحه يزحزحه زحزحة وزحزاحا ، "وهو عنك متزحزح" ، أي متباعد .
فتأويل الآية - وما طول العمر بمبعده من عذاب الله ، ولا منحيه منه؛ لأنه لا بد للعمر من الفناء ، ومصيره إلى الله ، كما : -
[ ص: 376 ]
1600 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة قال : حدثني
ابن إسحاق قال : حدثني
محمد بن أبي محمد - فيما أروي - عن
سعيد بن جبير ، أو عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : (
وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) ، أي : ما هو بمنحيه من العذاب .
1601 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
آدم قال : حدثنا
أبو جعفر ، عن
الربيع ، عن
أبي العالية : (
وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) ، يقول : وإن عمر ، فما ذاك بمغيثه من العذاب ولا منجيه .
1602 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع مثله .
1603 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : (
يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب ) ، فهم الذين عادوا
جبريل عليه السلام .
1604 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : (
يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) ، ويهود أحرص على الحياة من هؤلاء . وقد ود هؤلاء لو يعمر أحدهم ألف سنة ، وليس ذلك بمزحزحه من العذاب ، لو عمر كما عمر إبليس لم ينفعه ذلك ، إذ كان كافرا ، ولم يزحزحه ذلك عن العذاب .