القول في
تأويل قوله تعالى : ( واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا ( 41 )
إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ( 42 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه : ( واذكر ) يا
محمد في كتاب الله ( إبراهيم ) خليل الرحمن ، فاقصص على هؤلاء المشركين قصصه وقصص أبيه ، (
إنه كان صديقا ) يقول : كان من أهل الصدق في حديثه وأخباره ومواعيده لا يكذب ، والصديق هو الفعيل من الصدق .
وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ( نبيا ) يقول : كان الله قد نبأه وأوحى إليه .
وقوله (
إذ قال لأبيه ) يقول : اذكره حين قال لأبيه (
يا أبت لم تعبد ما لا يسمع )
[ ص: 203 ] يقول : ما تصنع بعبادة الوثن الذي لا يسمع (
ولا يبصر ) شيئا (
ولا يغني عنك شيئا ) يقول : ولا يدفع عنك ضر شيء ، إنما هو صورة مصورة لا تضر ولا تنفع ، يقول ما تصنع بعبادة ما هذه صفته؟ اعبد الذي إذا دعوته سمع دعاءك ، وإذا أحيط بك أبصرك فنصرك ، وإذا نزل بك ضر دفع عنك .
واختلف أهل العربية في وجه دخول الهاء في قوله ( يا أبت ) فكان بعض نحويي أهل
البصرة يقول : إذا وقفت عليها قلت : يا أبه ، وهي هاء زيدت نحو قولك : يا أمه ، ثم يقال : يا أم إذا وصل ، ولكنه لما كان الأب على حرفين ، كان كأنه قد أخل به ، فصارت الهاء لازمة ، وصارت الياء كأنها بعدها ، فلذلك قالوا : يا أبة أقبل ، وجعل التاء للتأنيث ، ويجوز الترخيم من أيا أب أقبل ، لأنه يجوز أن تدعو ما تضيفه إلى نفسك في المعنى مضموما ، نحو قول العرب : يا رب اغفر لي ، وتقف في القرآن : يا أبة في الكتاب .
وقد يقف بعض العرب على الهاء بالتاء . وقال بعض نحويي
الكوفة : الهاء مع أبة وأمة هاء وقف ، كثرت في كلامهم حتى صارت كهاء التأنيث ، وأدخلوا عليها الإضافة ، فمن طلب الإضافة ، فهي بالتاء لا غير ، لأنك تطلب بعدها الياء ، ولا تكون الهاء حينئذ إلا تاء ، كقولك : يا أبت لا غير ، ومن قال : يا أبه ، فهو الذي يقف بالهاء ، لأنه لا يطلب بعدها ياء; ومن قال : يا أبتا ، فإنه يقف عليها بالتاء ، ويجوز بالهاء; فأما بالتاء ، فلطلب ألف الندبة ، فصارت الهاء تاء لذلك ، والوقف بالهاء بعيد ، إلا فيمن قال : "يا أميمة ناصب
" فجعل هذه الفتحة من فتحة الترخيم ، وكأن هذا طرف الاسم ، قال : وهذا بعيد .