القول في تأويل قوله جل ثناؤه (
قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله )
قال
أبو جعفر : أجمع أهل العلم بالتأويل جميعا على أن هذه الآية نزلت جوابا
لليهود من بني إسرائيل ، إذ زعموا أن
جبريل عدو لهم ، وأن
ميكائيل ولي لهم ، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك . فقال بعضهم : إنما كان سبب قيلهم ذلك ، من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نبوته .
ذكر من قال ذلك :
1605 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير ، عن
عبد الحميد بن بهرام ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810056عن ابن عباس أنه قال : حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم ، حدثنا عن خلال نسألك عنهن ، لا يعلمهن إلا نبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلوا عما شئتم ، ولكن اجعلوا لي ذمة الله ، وما أخذ يعقوب على بنيه ، لئن أنا حدثتكم شيئا فعرفتموه ، لتتابعني على الإسلام ، فقالوا : ذلك لك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلوني عما شئتم . فقالوا : أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن : أخبرنا ، أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا [ ص: 378 ] كيف ماء المرأة وماء الرجل؟ وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم ومن وليه من الملائكة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعني! فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق . فقال : "نشدتكم بالذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا فطال سقمه منه ، فنذر نذرا لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه ، وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل - قال أبو جعفر : فيما أروي : وأحب الشراب إليه ألبانها؟ فقالوا : اللهم نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشهد الله عليكم وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله ، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله؟ قالوا : اللهم نعم . قال : اللهم اشهد! قال : وأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا : اللهم نعم! قال : اللهم اشهد! قالوا : أنت الآن تحدثنا من وليك من الملائكة ، فعندها نتابعك أو نفارقك ، قال : فإن وليي جبريل ، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه . قالوا : فعندها نفارقك ، لو كان وليك سواه من الملائكة ، تابعناك وصدقناك . قال : "فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا : إنه عدونا . فأنزل الله عز وجل : ( من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) إلى قوله ( كأنهم لا يعلمون ) ، فعندها باءوا بغضب على غضب .
[ ص: 379 ]
1606 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة قال : حدثني
محمد بن إسحاق قال : حدثني
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين - يعني المكي - ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=811249عن nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب الأشعري : أن نفرا من اليهود جاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا محمد ، أخبرنا عن أربع نسألك عنهن ، فإن فعلت اتبعناك وصدقناك وآمنا بك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدقني؟ قالوا : نعم . قال : فاسألوا عما بدا لكم . فقالوا : أخبرنا كيف يشبه الولد أمه ، وإنما النطفة من الرجل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة ، ونطفة المرأة صفراء رقيقة ، فأيتهما علت صاحبتها كان لها الشبه؟ قالوا : نعم . قالوا : فأخبرنا كيف نومك؟ قال : أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ [ ص: 380 ] قالوا : اللهم نعم . قال : اللهم اشهد! قالوا : أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ قال : هل تعلمون أنه كان أحب الطعام والشراب إليه ألبان الإبل ولحومها ، وأنه اشتكى شكوى فعافاه الله منها ، فحرم أحب الطعام والشراب إليه شكرا لله ، فحرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها؟ قالوا : اللهم نعم . قالوا : فأخبرنا عن الروح . قال : أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أنه جبريل ، وهو الذي يأتيني؟ قالوا : نعم ، ولكنه لنا عدو ، وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء ، فلولا ذلك اتبعناك . فأنزل الله فيهم : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك ) إلى قوله ( كأنهم لا يعلمون ) .
1607 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : حدثني
القاسم بن أبي بزة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811250أن يهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم : من صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي؟ فقال : جبريل . قالوا : فإنه لنا عدو ولا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال! فنزل : ( من كان عدوا لجبريل ) الآية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وقال
مجاهد : قالت يهود : يا
محمد ، ما ينزل
جبريل إلا بشدة وحرب! وقالوا : إنه لنا عدو! فنزل : (
من كان عدوا لجبريل ) الآية .
وقال آخرون : بل كان سبب قيلهم ذلك ، من أجل مناظرة جرت بين
[ ص: 381 ] nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبينهم ، في أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
1608 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
ربعي بن علية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
الشعبي ، قال : نزل
عمر الروحاء ، فرأى رجالا يبتدرون أحجارا يصلون إليها ، فقال : ما هؤلاء؟ قالوا : يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ههنا . فكره ذلك وقال : أيما رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته الصلاة بواد فصلى ، ثم ارتحل فتركه! ثم أنشأ يحدثهم فقال : كنت أشهد
اليهود يوم مدراسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان ، ومن الفرقان كيف يصدق التوراة! فبينما أنا عندهم ذات يوم قالوا : يا
ابن الخطاب ، ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك ، قلت : ولم ذلك؟ قالوا : إنك تغشانا وتأتينا . قال : قلت : إني آتيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدق التوراة ، ومن التوراة كيف تصدق الفرقان! قال : ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا
ابن الخطاب ، ذاك صاحبكم فالحق به . قال : فقلت لهم عند ذلك : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه ، أتعلمون أنه رسول الله؟ قال : فسكتوا ، قال : فقال عالمهم وكبيرهم : إنه قد عظم عليكم فأجيبوه . قالوا : أنت عالمنا وسيدنا ، فأجبه أنت . قال : أما إذ نشدتنا به ، فإنا نعلم أنه رسول الله . قال : قلت : ويحكم! إذا هلكتم! قالوا إنا لم نهلك . قال : قلت : كيف ذاك ، وأنتم تعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لا تتبعونه ولا تصدقونه؟
[ ص: 382 ] قالوا : إن لدينا عدوا من الملائكة وسلما من الملائكة ، وإنه قرن به عدونا من الملائكة . قال : قلت : ومن عدوكم؟ ومن سلمكم؟ قالوا : عدونا
جبريل ، وسلمنا ميكائيل . قال : قلت : وفيم عاديتم
جبريل؟ وفيم سالمتم ميكائيل؟ قالوا : إن
جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا ، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا . قال : قلت : وما منزلتهما من ربهما؟ قالوا : أحدهما عن يمينه ، والآخر عن يساره . قال : قلت : فوالله الذي لا إله إلا هو ، إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما ، وسلم لمن سالمهما ، ما ينبغي
لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل ، ولا
لميكائيل أن يسالم عدو
جبريل ! قال : ثم قمت فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم ، فلحقته وهو خارج من مخرفة لبني فلان ، فقال لي : يا
ابن الخطاب ، ألا أقرئك آيات نزلن؟ فقرأ علي : (
قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه ) حتى قرأ الآيات . قال : قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك الخبر ، فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر !
[ ص: 383 ]
1609 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
داود ، عن
الشعبي قال : قال
عمر : كنت رجلا أغشى
اليهود في يوم مدراسهم ، ثم ذكر نحو حديث
ربعي .
1610 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : ذكر لنا أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى
اليهود ، فلما أبصروه رحبوا به . فقال لهم
عمر : أما والله ما جئت لحبكم ولا للرغبة فيكم ، ولكن جئت لأسمع منكم ، فسألهم وسألوه ، فقالوا : من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم :
جبريل . فقالوا : ذاك عدونا من أهل السماء ، يطلع
محمدا على سرنا ، وإذا جاء جاء بالحرب والسنة ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل ، وكان إذا جاء جاء بالخصب وبالسلم ، فقال لهم
عمر : أفتعرفون
جبريل وتنكرون
محمدا؟ ففارقهم
عمر عند ذلك ، وتوجه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدثه حديثهم ، فوجده قد أنزل عليه هذه الآية : (
قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) .
1611 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
آدم قال : حدثنا
أبو جعفر ، عن
قتادة قال : بلغنا أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أقبل على
اليهود يوما ، فذكر نحوه .
1612 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : (
من كان عدوا لجبريل ) ، قال : قالت
اليهود :
[ ص: 384 ] إن
جبريل هو عدونا؛ لأنه ينزل بالشدة والحرب والسنة ، وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب ،
فجبريل عدونا . فقال الله جل ثناؤه : (
من كان عدوا لجبريل ) .
1613 - حدثني
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه ) ، قال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب أرض بأعلى
المدينة ، فكان يأتيها ، وكان ممره على طريق مدراس
اليهود ، وكان كلما دخل عليهم سمع منهم . وإنه دخل عليهم ذات يوم فقالوا : يا
عمر ما في أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم أحد أحب إلينا منك ، إنهم يمرون بنا فيؤذوننا ، وتمر بنا فلا تؤذينا ، وإنا لنطمع فيك ، فقال لهم
عمر : أي يمين فيكم أعظم؟ قالوا : الرحمن الذي أنزل التوراة على
موسى بطور سيناء . فقال لهم
عمر : فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على
موسى بطور سيناء ، أتجدون
محمدا صلى الله عليه وسلم عندكم؟ فأسكتوا ، فقال : تكلموا ، ما شأنكم؟ فوالله ما سألتكم وأنا شاك في شيء من ديني . فنظر بعضهم إلى بعض ، فقام رجل منهم فقال : أخبروا الرجل ، لتخبرنه أو لأخبرنه ، قالوا : نعم ، إنا نجده مكتوبا عندنا ، ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي هو
جبريل ، وجبريل عدونا ، وهو صاحب كل عذاب أو قتال أو خسف ، ولو أنه كان وليه
ميكائيل ، إذا لآمنا به ، فإن
ميكائيل صاحب كل رحمة وكل غيث . فقال لهم
عمر : فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على
موسى بطور سيناء ، أين مكان
جبريل من الله؟ قالوا :
جبريل عن يمينه ،
وميكائيل عن يساره . قال
عمر : فأشهدكم أن الذي هو عدو للذي عن يمينه ، عدو للذي هو عن يساره; والذي هو عدو للذي هو عن يساره; عدو للذي هو عن يمينه; وأنه من كان عدوهما ، فإنه عدو لله . ثم رجع
عمر ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم ،
[ ص: 385 ] فوجد
جبريل قد سبقه بالوحي ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه ، فقال
عمر : والذي بعثك بالحق ، لقد جئتك وما أريد إلا أن أخبرك !
1614 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق بن الحجاج الرازي قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13538عبد الرحمن بن مغراء أبو زهير ، عن
مجالد ، عن
الشعبي قال : انطلق
عمر إلى يهود فقال : إني أنشدكم بالذي أنزل التوراة على
موسى هل تجدون
محمدا في كتابكم؟ قالوا : نعم . قال : فما يمنعكم أن تتبعوه؟ قالوا : إن الله لم يبعث رسولا إلا كان له كفل من الملائكة ، وإن
جبريل هو الذي يتكفل
لمحمد ، وهو عدونا من الملائكة ،
وميكائيل سلمنا ، فلو كان هو الذي يأتيه اتبعناه . قال : فإني أنشدكم بالذي أنزل التوراة على
موسى ، ما منزلتهما من رب العالمين؟ قالوا :
جبريل عن يمينه ،
وميكائيل عن جانبه الآخر . فقال : إني أشهد ما يقولان إلا بإذن الله ، وما كان
لميكائيل أن يعادي سلم
جبريل ، وما كان
جبريل ليسالم عدو
ميكائيل . [ فبينما هو عندهم ] ، إذ مر نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : هذا صاحبك يا
ابن الخطاب . فقام إليه ، فأتاه وقد أنزل عليه : (
من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) إلى قوله : (
فإن الله عدو للكافرين ) .
[ ص: 386 ]
1615 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
حصين بن عبد الرحمن ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى في قوله : (
من كان عدوا لجبريل ) . قال : قالت
اليهود للمسلمين : لو أن
ميكائيل كان الذي ينزل عليكم لتبعناكم ، فإنه ينزل بالرحمة والغيث ، وإن
جبريل ينزل بالعذاب والنقمة ، وهو لنا عدو ، قال : فنزلت هذه الآية : (
من كان عدوا لجبريل ) .
1616 - حدثني
يعقوب قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
عبد الملك ، عن
عطاء بنحو ذلك .
قال
أبو جعفر : وأما تأويل الآية - أعني قوله : (
قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) - فهو : أن الله يقول لنبيه : قل يا
محمد - لمعاشر
اليهود من بني إسرائيل ، الذين
زعموا أن جبريل لهم عدو ، من أجل أنه صاحب سطوات وعذاب وعقوبات ، لا صاحب وحي وتنزيل ورحمة؛ فأبوا اتباعك ، وجحدوا نبوتك ، وأنكروا ما جئتهم به من آياتي وبينات حكمي ، من أجل أن
جبريل وليك وصاحب وحيي إليك ، وزعموا أنه عدو لهم - : من يكن من الناس
[ ص: 387 ] لجبريل عدوا ، ومنكرا أن يكون صاحب وحي الله إلى أنبيائه ، وصاحب رحمته ، فإني له ولي وخليل ، ومقر بأنه صاحب وحي إلى أنبيائه ورسله ، وأنه هو الذي ينزل وحي الله على قلبي من عند ربي ، بإذن ربي له بذلك ، يربط به على قلبي ، ويشد فؤادي ، كما : -
1617 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
عثمان بن سعيد قال : حدثنا
بشر بن عمارة ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس في قوله : (
قل من كان عدوا لجبريل ) ، قال : وذلك أن
اليهود قالت - حين سألت محمدا صلى الله عليه وسلم عن أشياء كثيرة ، فأخبرهم بها على ما هي عندهم - "إلا
جبريل " ، فإن
جبريل كان عند
اليهود صاحب عذاب وسطوة ، ولم يكن عندهم صاحب وحي - يعني : تنزيل من الله على رسله - ولا صاحب رحمة ، فأخبرهم - رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما سألوه عنه : أن
جبريل صاحب وحي الله ، وصاحب نقمته ، وصاحب رحمته ، فقالوا : ليس بصاحب وحي ولا رحمة ، هو لنا عدو! فأنزل الله عز وجل إكذابا لهم : ( قل ) يا
محمد : (
من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك ) ، يقول : فإن
جبريل نزله . يقول : نزل القرآن - بأمر الله يشد به فؤادك ، ويربط به على قلبك" ، يعني : بوحينا الذي نزل به
جبريل عليك من عند الله - وكذلك يفعل بالمرسلين والأنبياء من قبلك .
1618 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) ، يقول : أنزل الكتاب على قلبك بإذن الله .
1619 - وحدثت عن
عمار قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع : (
فإنه نزله على قلبك ) ، يقول : نزل الكتاب على قلبك
جبريل .
قال
أبو جعفر : وإنما قال جل ثناؤه : (
فإنه نزله على قلبك ) - وهو يعني
[ ص: 388 ] بذلك قلب
محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد أمر
محمدا في أول الآية أن يخبر
اليهود بذلك عن نفسه - ولم يقل : فإنه نزله على قلبي ولو قيل : "على قلبي" كان صوابا من القول؛ لأن من شأن العرب إذا أمرت رجلا أن يحكي ما قيل له عن نفسه ، أن تخرج فعل المأمور مرة مضافا إلى كناية نفس المخبر عن نفسه ، إذ كان المخبر عن نفسه; ومرة مضافا إلى اسمه ، كهيئة كناية اسم المخاطب لأنه به مخاطب . فتقول في نظير ذلك : "قل للقوم إن الخير عندي كثير" - فتخرج كناية اسم المخبر عن نفسه؛ لأنه المأمور أن يخبر بذلك عن نفسه - : و"قل للقوم إن الخير عندك كثير" - فتخرج كناية اسمه كهيئة كناية اسم المخاطب؛ لأنه وإن كان مأمورا بقيل ذلك ، فهو مخاطب مأمور بحكاية ما قيل له . وكذلك : "لا تقل للقوم : إني قائم" ، و"لا تقل لهم : إنك قائم" ، و"الياء" من "إني" اسم المأمور بقول ذلك ، على ما وصفنا . ومن ذلك قول الله عز وجل : ( قل للذين كفروا سيغلبون ) و ( تغلبون ) [ آل عمران : 12 ] ، بالياء والتاء .
وأما" جبريل " فإن للعرب فيه لغات . فأما
أهل الحجاز فإنهم يقولون : "جبريل ، وميكال" بغير همز ، بكسر الجيم والراء من"
جبريل " وبالتخفيف ، وعلى القراءة بذلك عامة قرأة
أهل المدينة والبصرة .
أما
تميم وقيس وبعض نجد فيقولون : "جبرئيل وميكائيل" على مثال "جبرعيل وميكاعيل" ، بفتح الجيم والراء ، وبهمز ، وزيادة ياء بعد الهمزة ، وعلى القراءة بذلك عامة قرأة
أهل الكوفة ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=15626جرير بن عطية :
عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد وبجبرئيل وكذبوا ميكالا
[ ص: 389 ]
وقد ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=16456وعبد الله بن كثير أنهما كانا يقرآن : "
جبريل " بفتح الجيم ، وترك الهمز .
قال
أبو جعفر : وهي قراءة غير جائزة القراءة بها؛ لأن "فعليل" في كلام العرب غير موجود . وقد اختار ذلك بعضهم ، وزعم أنه اسم أعجمي ، كما يقال : "سمويل" ، وأنشد في ذلك :
بحيث لو وزنت لخم بأجمعها ما وازنت ريشة من ريش سمويلا
وأما بنو أسد فإنها تقول : "جبرين" بالنون . وقد حكي عن بعض العرب أنها تزيد في"
جبريل " "ألفا" فتقول : جبراييل وميكاييل .
وقد حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ : "جبرئل" بفتح الجيم ، والهمز ، وترك المد ، وتشديد اللام .
فأما "جبر" و"ميك" ، فإنهما الاسمان اللذان أحدهما بمعنى : "عبد" ، والآخر بمعنى : "عبيد" .
[ ص: 390 ]
وأما "إيل" فهو الله تعالى ذكره ، كما : -
1620 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
جرير بن نوح الحماني ، عن
الأعمش ، عن
المنهال ، عن
سعيد بن جبير قال : قال
ابن عباس : "
جبريل " و"
ميكائيل " ، كقولك : عبد الله .
1621 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : حدثنا
الحسين بن واقد ، عن
يزيد النحوي ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : "جبريل" عبد الله; و"ميكائيل" ، عبيد الله . وكل اسم "إيل" فهو : الله .
1622 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
الأعمش ، عن
إسماعيل بن رجاء ، عن
عمير مولى ابن عباس : أن "إسرائيل ،
وميكائيل وجبريل ، وإسرافيل " كقولك : عبد الله .
1623 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
الأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15342المنهال بن عمرو ، عن
عبد الله بن الحارث قال : "إيل" ، الله ، بالعبرانية .
1624 - حدثنا
الحسين بن يزيد الضحاك قال : حدثنا
إسحاق بن منصور قال : حدثنا
قيس ، عن
عاصم ، عن
عكرمة ، قال : "
جبريل " اسمه : عبد الله; و"
ميكائيل " اسمه : عبيد الله ، "إيل" : الله .
1625 - حدثني
الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا
أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا
سفيان ، عن
محمد بن عمرو بن عطاء ، عن
علي بن حسين قال : اسم"
جبريل " عبد الله ، واسم"
ميكائيل " عبيد الله ، واسم"
إسرافيل " : عبد الرحمن ، وكل معبد : "إيل" ، فهو عبد الله .
1626 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
قبيصة بن عقبة قال : حدثنا
سفيان ، عن
[ ص: 391 ] محمد المدني - قال
المثنى : قال
قبيصة : أراه
محمد بن إسحاق - عن
محمد بن عمرو بن عطاء ، عن
علي بن حسين ، قال : ما تعدون"
جبريل " في أسمائكم؟ قال : "
جبريل " عبد الله ، و"
ميكائيل " عبيد الله ، وكل اسم فيه "إيل" ، فهو معبد لله .
1627 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
محمد بن عمرو بن عطاء ، عن
علي بن حسين قال : قال لي : هل تدري ما اسم "
جبريل " من أسمائكم؟ قلت : لا . قال : عبد الله . قال : فهل تدري ما اسم "
ميكائيل " من أسمائكم؟ قلت : لا . قال : عبيد الله . وقد سمى لي "إسرائيل" باسم نحو ذلك فنسيته ، إلا أنه قد قال لي : أرأيت ، كل اسم يرجع إلى "إيل" فهو معبد له .
1628 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
خصيف ، عن
عكرمة في قوله : ( جبريل ) قال : "جبر" عبد ، "إيل" الله ، و"ميكا" قال : عبد ، "إيل" : الله .
قال
أبو جعفر : فهذا تأويل من قرأ"
جبرائيل " بالفتح ، والهمز ، والمد . وهو - إن شاء الله - معنى من قرأ بالكسر ، وترك الهمز .
وأما تأويل من قرأ ذلك بالهمز ، وترك المد ، وتشديد اللام ، فإنه قصد بقوله ذلك كذلك ، إلى إضافة "جبر" و"ميكا" إلى اسم الله الذي يسمى به بلسان العرب دون السرياني والعبراني ، وذلك أن "الإل" بلسان العرب : الله ، كما قال : (
لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ) [ التوبة : 10 ] . فقال جماعة من أهل العلم : "الإل" هو الله . ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه - لوفد بني حنيفة ، حين سألهم عما كان مسيلمة يقول ، فأخبروه - فقال لهم : ويحكم! "
[ ص: 392 ] أين ذهب بكم؟ والله ، إن هذا الكلام ما خرج من إل ولا بر . يعني "من إل" : من الله وقد : -
1629 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
سليمان التيمي ، عن
أبي مجلز في قوله : (
لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ) قال : قول "
جبريل "
و"ميكائيل" و"إسرافيل" .
كأنه يقول : حين يضيف "جبر" و"ميكا" و"إسرا" إلى "إيل" يقول : عبد الله . (
لا يرقبون في مؤمن إلا ) ، كأنه يقول : لا يرقبون الله عز وجل .