القول في
تأويل قوله تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ( 59 ) )
يقول تعالى ذكره : فحدث من بعد هؤلاء الذين ذكرت من الأنبياء الذين أنعمت عليهم ، ووصفت صفتهم في هذه السورة ، خلف سوء في الأرض أضاعوا الصلاة .
ثم اختلف أهل التأويل في صفة إضاعتهم الصلاة ، فقال بعضهم : كانت إضاعتهموها تأخيرهم إياها عن مواقيتها ، وتضييعهم أوقاتها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي بن سعد الكندي ، قال : ثنا
عيسى بن يونس ، عن
الأوزاعي ، عن
موسى بن سليمان ، عن
القاسم بن مخيمرة ، في قوله (
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) قال : إنما أضاعوا المواقيت ، ولو كان تركا كان كفرا .
حدثنا
إسحاق بن زيد الخطابي ، قال : ثنا
الفريابي ، عن
الأوزاعي ، عن
القاسم بن مخيمرة ، نحوه .
حدثنا
عبد الكريم بن أبي عمير ، قال : ثني
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، عن
أبي عمرو ، عن
القاسم بن مخيمرة ، قال : أضاعوا المواقيت ، ولو تركوها لصاروا بتركها كفارا .
حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، عن
الأوزاعي ، عن
القاسم ، نحوه .
[ ص: 216 ]
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
عيسى ، عن
الأوزاعي ، عن
إبراهيم بن يزيد ، أن
عمر بن عبد العزيز بعث رجلا إلى مصر لأمر أعجله للمسلمين ، فخرج إلى حرسه ، وقد كان تقدم إليهم أن لا يقوموا إذا رأوه ، قال : فأوسعوا له ، فجلس بينهم فقال : أيكم يعرف الرجل الذي بعثناه إلى مصر؟ فقالوا : كلنا نعرفه ، قال : فليقم أحدثكم سنا ، فليدعه ، فأتاه الرسول فقال : لا تعجلني أشد علي ثيابي ، فأتاه فقال : إن اليوم الجمعة ، فلا تبرحن حتى تصلي ، وإنا بعثناك في أمر أعجله للمسلمين ، فلا يعجلنك ما بعثناك له أن تؤخر الصلاة عن ميقاتها ، فإنك مصليها لا محالة ، ثم قرأ (
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) ثم قال : لم يكن إضاعتهم تركها ، ولكن أضاعوا الوقت .
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن
المسعودي ، عن
القاسم بن عبد الرحمن ، والحسن بن مسعود ، عن
ابن مسعود ، أنه قيل له : إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن (
الذين هم عن صلاتهم ساهون ) و (
على صلاتهم دائمون ) و (
على صلاتهم يحافظون ) فقال
ابن مسعود رضي الله عنه : على مواقيتها ، قالوا : ما كنا نرى ذلك إلا على الترك ، قال : ذاك الكفر .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
عمر أبو حفص الأبار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17152منصور بن المعتمر ، قال : قال
مسروق : لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس ، فيكتب من الغافلين ، وفي إفراطهن الهلكة ، وإفراطهن : إضاعتهن عن وقتهن .
وقال آخرون : بل كانت إضاعتهموها : تركها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : أخبرنا
أبو صخر ، عن
القرظي ، أنه قال في هذه الآية (
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ) يقول : تركوا الصلاة .
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك عندي بتأويل الآية ، قول من قال : إضاعتهموها تركهم إياها لدلالة قول الله تعالى ذكره بعده على أن ذلك كذلك ، وذلك قوله جل ثناؤه (
إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ) فلو كان الذين وصفهم بأنهم ضيعوها مؤمنين لم يستثن منهم من آمن ، وهم مؤمنون
[ ص: 217 ] ولكنهم كانوا كفارا لا يصلون لله ، ولا يؤدون له فريضة ، فسقة قد آثروا شهوات أنفسهم على طاعة الله ، وقد قيل : إن الذين وصفهم الله بهذه الصفة قوم من هذه الأمة يكونون في آخر الزمان .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى . وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن . قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله (
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) قال : عند قيام الساعة ، وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في الأزقة . قال
محمد بن عمرو : زنا . وقال الحارث : زناة .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد مثله ، وقال : زنا كما قال
ابن عمرو .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
أبو تميلة ، عن
أبي حمزة ، عن
جابر ، عن
عكرمة ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء بن أبي رباح (
فخلف من بعدهم خلف ) . . . . الآية ، قال : هم أمة محمد .
وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الأشيب ، قال : ثنا
شريك ، عن
أبي تميم بن مهاجر في قول الله : (
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) قال : هم في هذه الأمة يتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطرق ، لا يخافون الله في السماء ، ولا يستحيون الناس في الأرض .
وأما قوله (
فسوف يلقون غيا ) فإنه يعني أن هؤلاء الخلف الذين خلفوا بعد أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين سيدخلون غيا ، وهو اسم واد من أودية جهنم ، أو اسم بئر من آبارها .
كما حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=14745عباس بن أبي طالب ، قال : ثنا
محمد بن زياد بن رزان قال : ثنا
شرقي بن قطامي ، عن
لقمان بن عامر الخزاعي ، قال : جئت
أبا أمامة صدي بن عجلان الباهلي ، فقلت : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله
[ ص: 218 ] عليه وسلم ، قال : فدعا بطعام ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=812412لو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها خمسين خريفا ، ثم تنتهي إلى غي وأثام ، قال : قلت وما غي وما أثام؟ قال : بئران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار ، وهما اللتان ذكر الله في كتابه ( أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) ، وقوله في الفرقان ( ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : ثنا
عمرو بن عاصم ، قال : ثنا
المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن
قتادة ، عن
أبي أيوب ، عن
عبد الله بن عمرو (
فسوف يلقون غيا ) قال : واديا في جهنم .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي عبيدة ، عن
عبد الله (
فسوف يلقون غيا ) قال : واديا في النار .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي عبيدة ، عن
عبد الله أنه قال في هذه الآية (
فسوف يلقون غيا ) قال : نهر في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر .
حدثني
محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا
أبو الأحوص ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي عبيدة ، عن أبيه ، في قوله (
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) قال : الغي : نهر جهنم في النار ، يعذب فيه الذين اتبعوا الشهوات .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
أبو الأحوص ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي عبيدة ، عن أبيه ، في قوله (
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) قال : الغي : نهر جهنم في النار ، يعذب فيه الذين اتبعوا الشهوات .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
أبو الأحوص ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي عبيدة ، عن
عبد الله (
أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) قال : نهر في النار يقذف فيه الذين اتبعوا الشهوات .
وقال آخرون : بل عنى بالغي في هذا الموضع : الخسران .
[ ص: 219 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
فسوف يلقون غيا ) يقول : خسرانا .
وقال آخرون : بل عنى به الشر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
فسوف يلقون غيا ) قال : الغي : الشر .
ومنه قول الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
قال
أبو جعفر : وكل هذه الأقوال متقاربات المعاني ، وذلك أن من ورد البئرين اللتين ذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم ، والوادي الذي ذكره
ابن مسعود في جهنم ، فدخل ذلك ، فقد لاقى خسرانا وشرا ، حسبه به شرا .