القول في
تأويل قوله تعالى : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا ( 64 ) )
ذكر أن هذه الآية نزلت من أجل استبطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل بالوحي ، وقد ذكرت بعض الرواية ، ونذكر إن شاء الله باقي ما حضرنا ذكره مما لم نذكر قبل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثنا
عبد الله بن أبان العجلي ، وقبيصة nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع ; وحدثنا
سفيان بن وكيع قال : ثنا أبي ، جميعا عن
عمر بن ذر ، قال : سمعت أبي يذكر عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، nindex.php?page=hadith&LINKID=810812أن محمدا قال لجبرائيل : "ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا" فنزلت هذه الآية ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا ) قال : هذا الجواب
لمحمد صلى الله عليه وسلم .
حدثني
محمد بن معمر ، قال : ثنا
عبد الملك بن عمرو ، قال : ثنا
عمر بن ذر ، قال : ثني أبي ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، nindex.php?page=hadith&LINKID=810813أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبرائيل : ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت ( وما نتنزل إلا بأمر ربك ) " .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله (
وما نتنزل إلا بأمر ربك ) إلى (
وما كان ربك نسيا ) قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811672احتبس جبرائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجد [ ص: 223 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وحزن ، فأتاه جبرائيل فقال : يا محمد ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا ) .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812413لبث جبرائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فكأن النبي استبطأه ، فلما أتاه قال له جبرائيل ( وما نتنزل إلا بأمر ربك ) . . . . الآية .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا ) قال : هذا قول
جبرائيل ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811673احتبس جبرائيل في بعض الوحي ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : "ما جئت حتى اشتقت إليك فقال له جبرائيل : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا ) " .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله تبارك وتعالى (
وما نتنزل إلا بأمر ربك ) قال : قول الملائكة حين استراثهم
محمد صلى الله عليه وسلم ، كالتي في الضحى .
حدثنا
القاسم ، قال ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812414لبث جبرائيل عن محمد اثنتي عشرة ليلة ، ويقولون : قلي ، فلما جاءه قال : أي جبرائيل لقد رثت علي حتى لقد ظن المشركون كل ظن فنزلت ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا ) .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ ، يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
وما نتنزل إلا بأمر ربك )
احتبس عن نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى تكلم المشركون في ذلك ، واشتد ذلك على نبي الله ، فأتاه جبرائيل ، فقال : اشتد عليك احتباسنا عنك ، وتكلم في ذلك المشركون ، وإنما أنا عبد الله ورسوله ، إذا أمرني بأمر أطعته ( وما نتنزل إلا بأمر ربك ) يقول : بقول ربك .
[ ص: 224 ]
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : (
له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ) فقال بعضهم : يعني بقوله (
ما بين أيدينا ) من الدنيا ، وبقوله (
وما خلفنا ) الآخرة (
وما بين ذلك ) النفختين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
حكام ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع (
له ما بين أيدينا ) يعني الدنيا (
وما خلفنا ) الآخرة (
وما بين ذلك ) النفختين .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع ، عن
أبي العالية ، قال (
ما بين أيدينا ) من الدنيا (
وما خلفنا ) من أمر الآخرة (
وما بين ذلك ) ما بين النفختين .
وقال آخرون (
ما بين أيدينا ) الآخرة (
وما خلفنا ) الدنيا (
وما بين ذلك ) ما بين الدنيا والآخرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
بين أيدينا ) الآخرة (
وما خلفنا ) من الدنيا .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
له ما بين أيدينا ) من أمر الآخرة (
وما خلفنا ) من أمر الدنيا (
وما بين ذلك ) ما بين الدنيا والآخرة (
وما كان ربك نسيا ) .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة (
له ما بين أيدينا ) من الآخرة (
وما خلفنا ) من الدنيا (
وما بين ذلك ) ما بين النفختين .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
ما بين أيدينا ) من الآخرة (
وما خلفنا ) من الدنيا .
وقال آخرون في ذلك بما حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج (
ما بين أيدينا ) قال : ما مضى أمامنا من الدنيا
[ ص: 225 ] (
وما خلفنا ) ما يكون بعدنا من الدنيا والآخرة (
وما بين ذلك ) قال : ما بين ما مضى أمامهم ، وبين ما يكون بعدهم .
وكان بعض أهل العربية من أهل
البصرة يتأول ذلك له (
ما بين أيدينا ) قبل أن نخلق (
وما خلفنا ) بعد الفناء (
وما بين ذلك ) حين كنا .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : معناه : له ما بين أيدينا من أمر الآخرة ، لأن ذلك لم يجئ وهو جاء ، فهو بين أيديهم ، فإن الأغلب في استعمال الناس إذا قالوا : هذا الأمر بين يديك ، أنهم يعنون به ما لم يجئ ، وأنه جاء ، فلذلك قلنا : ذلك أولى بالصواب . وما خلفنا من أمر الدنيا ، وذلك ما قد خلفوه فمضى ، فصار خلفهم بتخليفهم إياه ، وكذلك تقول العرب لما قد جاوزه المرء وخلفه هو خلفه ، ووراءه وما بين ذلك : ما بين ما لم يمض من أمر الدنيا إلى الآخرة ، لأن ذلك هو الذي بين ذينك الوقتين .
وإنما قلنا : ذلك أولى التأويلات به ، لأن ذلك هو الظاهر الأغلب ، وإنما يحمل تأويل القرآن على الأغلب من معانيه ، ما لم يمنع من ذلك ما يجب التسليم له . فتأمل الكلام إذن : فلا تستبطئنا يا
محمد في تخلفنا عنك ، فإنا لا نتنزل من السماء إلى الأرض إلا بأمر ربك لنا بالنزول إليها ، لله ما هو حادث من أمور الآخرة التي لم تأت وهي آتية ، وما قد مضى فخلفناه من أمر الدنيا ، وما بين وقتنا هذا إلى قيام الساعة ، بيده ذلك كله ، وهو مالكه ومصرفه ، لا يملك ذلك غيره ، فليس لنا أن نحدث في سلطانه أمرا إلا بأمره إيانا به (
وما كان ربك نسيا ) يقول : ولم يكن ربك ذا نسيان ، فيتأخر نزولي إليك بنسيانه إياك بل هو الذي لا يعزب عنه شيء في السماء ولا في الأرض فتبارك وتعالى ولكنه أعلم بما يدبر ويقضي في خلقه . جل ثناؤه .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد (
وما كان ربك نسيا ) ما نسيك ربك .