القول في
تأويل قوله تعالى : ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا ( 81 )
كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ( 82 ) )
يقول تعالى ذكره : واتخذ يا
محمد هؤلاء المشركون من قومك آلهة يعبدونها من دون الله ، لتكون هؤلاء الآلهة لهم عزا ، يمنعونهم من عذاب الله ، ويتخذون عبادتهموها عند الله زلفى ، وقوله : ( كلا ) يقول عز ذكره : ليس الأمر كما ظنوا وأملوا من هذه الآلهة التي يعبدونها من دون الله ، في أنها تنقذهم من عذاب الله ، وتنجيهم منه ، ومن سوء إن أراده بهم ربهم . وقوله : (
سيكفرون بعبادتهم ) يقول عز ذكره : ولكن سيكفر الآلهة في الآخرة بعبادة هؤلاء المشركين يوم القيامة إياها ، وكفرهم بها قيلهم لربهم : تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون ، فجحدوا أن يكونوا عبدوهم أو أمروهم بذلك ، وتبرءوا منهم ، وذلك كفرهم بعبادتهم .
[ ص: 250 ]
وأما قوله (
ويكونون عليهم ضدا ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وتكون آلهتهم عليهم عونا ، وقالوا : الضد : العون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
علي ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
ويكونون عليهم ضدا ) يقول : أعوانا .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى "ح "; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
ويكونون عليهم ضدا ) قال : عونا عليهم تخاصمهم وتكذبهم .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد (
ويكونون عليهم ضدا ) قال : أوثانهم يوم القيامة في النار .
وقال آخرون : بل عنى بالضد في هذا الموضع : القرناء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله (
ويكونون عليهم ضدا ) يقول : يكونون عليهم قرناء .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
ويكونون عليهم ضدا ) قرناء في النار ، يلعن بعضهم بعضا ، ويتبرأ بعضهم من بعض .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، في قوله ( ضدا ) قال : قرناء في النار .
وقال آخرون : معنى الضد هاهنا : العدو .
ذكر من قال ذلك : حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
ويكونون عليهم ضدا ) قال : أعداء .
وقال آخرون : معنى الضد في هذا الموضع : البلاء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال :
[ ص: 251 ] قال
ابن زيد ، في قوله : (
ويكونون عليهم ضدا ) قال : يكونون عليهم بلاء .
الضد : البلاء ، والضد في كلام العرب : هو الخلاف ، يقال : فلان يضاد فلانا في كذا ، إذا كان يخالفه في صنيعه ، فيفسد ما أصلحه ، ويصلح ما أفسده ، وإذ كان ذلك معناه ، وكانت آلهة هؤلاء المشركين الذين ذكرهم الله في هذا الموضع يتبرءون منهم ، وينتفون يومئذ ، صاروا لهم أضدادا ، فوصفوا بذلك .
وقد اختلف أهل العربية في وجه توحيد الضد ، وهو صفة لجماعة . فكان بعض نحويي
البصرة يقول : واحد لأنه يكون جماعة ، وواحدا مثل الرصد والأرصاد . قال : ويكون الرصد أيضا لجماعة . وقال بعض نحويي
الكوفة واحد ، لأن معناه عونا ، وذكر أن
أبا نهيك كان يقرأ ذلك .
كما حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، قال : ثنا
عبد المؤمن ، قال : سمعت
أبا نهيك الأزدي يقرأ (
كلا سيكفرون ) يعني الآلهة كلها أنهم سيكفرون بعبادتهم .