[ ص: 266 ] [ ص: 267 ] بسم الله الرحمن الرحيم القول في
تأويل قوله تعالى : ( طه ( 1 )
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( 2 )
إلا تذكرة لمن يخشى ( 3 ) )
قال
أبو جعفر محمد بن جرير : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (
طه ) فقال بعضهم : معناه يا رجل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
أبو تميلة ، عن
الحسن بن واقد ، عن
يزيد النحوي ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : طه : بالنبطية : يا رجل .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله (
طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) فإن قومه قالوا : لقد شقي هذا الرجل بربه ، فأنزل الله تعالى ذكره (
طه ) يعني : يا رجل (
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : أخبرني
عبد الله بن مسلم ، أو
يعلى بن مسلم ، عن
سعيد بن جبير أنه قال : طه : يا رجل بالسريانية .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وأخبرني
زمعة بن صالح ، عن
سلمة بن وهرام ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، بذلك أيضا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، وقال
مجاهد ، ذلك أيضا .
حدثنا
عمران بن موسى القزاز ، قال : ثنا
عبد الوارث بن سعيد ، قال : ثنا
عمارة عن
عكرمة ، في قوله (
طه ) قال : يا رجل ، كلمه بالنبطية .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، قال : ثنا
عبد الله ، عن
عكرمة ، في قوله (
طه ) قال : بالنبطية : يا إنسان .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : ثنا
أبو عاصم ، عن
قرة بن خالد ، عن
الضحاك ، في قوله (
طه ) قال : يا رجل بالنبطية .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
[ ص: 268 ] حصين ، عن
عكرمة في قوله (
طه ) قال : يا رجل .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
طه ) قال : يا رجل ، وهي بالسريانية .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة والحسن في قوله (
طه ) قالا يا رجل .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ ، يقول : أخبرنا
عبيد ، يعني ابن سليمان ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
طه ) قال : يا رجل .
وقال آخرون : هو اسم من أسماء الله ، وقسم أقسم الله به .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
علي ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، في قوله (
طه ) قال : فإنه قسم أقسم الله به ، وهو اسم من أسماء الله .
وقال آخرون : هو حروف هجاء .
وقال آخرون : هو حروف مقطعة يدل كل حرف منها على معنى ، واختلفوا في ذلك اختلافهم في "ألم" .
وقد ذكرنا ذلك في مواضعه ، وبينا ذلك بشواهده .
والذي هو أولى بالصواب عندي من الأقوال فيه قول من قال : معناه : يا رجل ، لأنها كلمة معروفة في عك فيما بلغني ، وأن معناها فيهم : يا رجل ، أنشدت
لمتمم بن نويرة :
هتفت بطه في القتال فلم يجب فخفت عليه أن يكون موائلا
وقال آخر :
[ ص: 2 ] إن السفاهة طه من خلائقكم لا بارك الله في القوم الملاعين
فإذا كان ذلك معروفا فيهم على ما ذكرنا ، فالواجب أن يوجه تأويله إلى المعروف فيهم من معناه ، ولا سيما إذا وافق ذلك تأويل أهل العلم من
الصحابة والتابعين .
فتأويل الكلام إذن : يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ، ما أنزلناه عليك فنكلفك ما لا طاقة لك به من العمل ، وذكر أنه قيل له ذلك بسبب ما كان يلقى من النصب والعناء والسهر في قيام الليل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) قال : هي مثل قوله (
فاقرءوا ما تيسر منه ) فكانوا يعلقون الحبال في صدورهم في الصلاة .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد (
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) قال : في الصلاة كقوله : (
فاقرءوا ما تيسر منه ) فكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) لا والله ما جعله الله شقيا ، ولكن جعله رحمة ونورا ، ودليلا إلى الجنة .
وقوله (
إلا تذكرة لمن يخشى ) يقول تعالى ذكره : ما أنزلنا عليك هذا القرآن إلا تذكرة لمن يخشى عقاب الله ، فيتقيه بأداء فرائض ربه واجتناب محارمه .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
إلا تذكرة لمن يخشى ) وإن الله أنزل كتبه ، وبعث رسله رحمة رحم الله بها العباد ، ليتذكر ذاكر ، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله ، وهو ذكر له أنزل الله فيه حلاله وحرامه ، فقال (
تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا ) .
[ ص: 270 ]
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
إلا تذكرة لمن يخشى ) قال : الذي أنزلناه عليك تذكرة لمن يخشى .
فمعنى الكلام إذن : يا رجل ما أنزلنا عليك هذا القرآن لتشقى به ، ما أنزلناه إلا تذكرة لمن يخشى .
وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب تذكرة ، فكان بعض نحويي
البصرة يقول : قال : إلا تذكرة بدلا من قوله لتشقى ، فجعله : ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة ، وكان بعض نحويي
الكوفة يقول : نصبت على قوله : ما أنزلناه إلا تذكرة ، وكان بعضهم ينكر قول القائل : نصبت بدلا من قوله ( لتشقى ) ويقول : ذلك غير جائز ، لأن ( لتشقى ) في الجحد ، و (
إلا تذكرة ) في التحقيق ، ولكنه تكرير ، وكان بعضهم يقول : معنى الكلام : ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة لمن يخشى ، لا لتشقى .