القول في
تأويل قوله تعالى : ( وهل أتاك حديث موسى ( 9 )
إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ( 10 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم مسليه عما يلقى من الشدة من مشركي قومه ، ومعرفه ما إليه بصائر أمره وأمرهم ، وأنه معليه عليهم ، وموهن كيد الكافرين ، ويحثه على الجد في أمره ، والصبر على عبادته ، وأن يتذكر فيما ينوبه فيه من أعدائه من مشركي قومه وغيرهم ، وفيما يزاول من الاجتهاد في طاعته ما ناب أخاه
موسى صلوات الله عليه من عدوه ، ثم من قومه ، ومن
بني إسرائيل وما لقي فيه من البلاء والشدة طفلا صغيرا ، ثم يافعا مترعرعا ، ثم رجلا كاملا (
وهل أتاك ) يا
محمد (
حديث موسى )
بن عمران (
إذ رأى نارا ) ذكر أن ذلك كان في الشتاء ليلا وأن
موسى كان أضل الطريق; فلما رأى ضوء النار (
قال لأهله ) ما قال .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
موسى بن هارون ، قال : ثنا
عمرو ، [ ص: 276 ] قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي مالك ، وعن
أبي صالح ، عن
ابن عباس ، قال : لما قضى موسى الأجل ، سار بأهله فضل الطريق . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس : كان في الشتاء ، ورفعت لهم نار ، فلما رآها ظن أنها نار ، وكانت من نور الله (
قال لأهله امكثوا إني آنست نارا ) .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه اليماني ، قال : لما قضى موسى الأجل ، خرج ومعه غنم له ، ومعه زند له ، وعصاه في يده يهش بها على غنمه نهارا ، فإذا أمسى اقتدح بزنده نارا ، فبات عليها هو وأهله وغنمه ، فإذا أصبح غدا بأهله وبغنمه ، فتوكأ على عصاه ، فلما كانت الليلة التي أراد الله بموسى كرامته ، وابتداءه فيها بنبوته وكلامه ، أخطأ فيه الطريق حتى لا يدري أين يتوجه ، فأخرج زنده ليقتدح نارا لأهله ليبيتوا عليها حتى يصبح ، ويعلم وجه سبيله ، فأصلد زنده فلا يوري له نارا ، فقدح حتى أعياه ، لاحت النار فرآها ، (
فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ) . وعنى بقوله : (
آنست نارا ) وجدت ، ومن أمثال العرب : بعد اطلاع إيناس ، ويقال أيضا : بعد طلوع إيناس ، وهو مأخوذ من الأنس .
وقوله (
لعلي آتيكم منها بقبس ) يقول : لعلي أجيئكم من النار التي آنست بشعلة .
والقبس : هو النار في طرف العود أو القصبة ، يقول القائل لصاحبه : أقبسني نارا ، فيعطيه إياها في طرف عود أو قصبة ، وإنما أراد موسى بقوله لأهله (
لعلي آتيكم منها بقبس ) لعلي آتيكم بذلك لتصطلوا به .
كما حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه (
لعلي آتيكم منها بقبس ) قال : بقبس تصطلون .
وقوله (
أو أجد على النار هدى ) دلالة تدل على الطريق الذي أضللناه ، إما من خبر هاد يهدينا إليه ، وإما من بيان وعلم نتبينه به ونعرفه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثنا
[ ص: 277 ] معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
أو أجد على النار هدى ) يقول : من يدل على الطريق .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله (
أو أجد على النار هدى ) قال : هاديا يهديه الطريق .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد عن
قتادة قوله (
أو أجد على النار هدى ) أي هداة يهدونه الطريق .
حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12235أحمد بن المقدام ، قال : ثنا
المعتمر ، قال : سمعت أبي يحدث ، عن
قتادة ، عن صاحب له ، عن حديث
ابن عباس ، أنه زعم أنها
أيلة (
أو أجد على النار هدى ) وقال أبي : وزعم
قتادة أنه هدى الطريق .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، في قوله (
أو أجد على النار هدى ) قال : من يهديني إلى الطريق .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه (
أو أجد على النار هدى ) قال : هدى عن علم الطريق الذي أضللنا بنعت من خبر .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
سفيان ، عن
أبي سعيد ، عن
عكرمة ، قال : قال
ابن عباس : (
لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ) قال : كانوا أضلوا عن الطريق ، فقال : لعلي أجد من يدلني على الطريق ، أو آتيكم بقبس لعلكم تصطلون .