القول في
تأويل قوله تعالى : ( فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى ( 62 )
قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ( 63 ) )
[ ص: 327 ] يقول تعالى ذكره : فتنازع السحرة أمرهم بينهم .
وكان تنازعهم أمرهم بينهم فيما ذكر أن قال بعضهم لبعض ما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد عن
قتادة قوله (
فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى ) قال السحرة بينهم : إن كان هذا ساحرا فإنا سنغلبه ، وإن كان من السماء فله أمر .
وقال آخرون : بل هو أن بعضهم قال لبعض : ما هذا القول بقول ساحر .
ذكر من قال ذلك : حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة عن
ابن إسحاق قال : حدثت عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه قال : جمع كل ساحر حباله وعصيه ، وخرج
موسى معه أخوه يتكئ على عصاه ، حتى أتى المجمع
وفرعون في مجلسه معه أشراف أهل مملكته ، قد استكف له الناس ، فقال
موسى للسحرة حين جاءهم : (
ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى ) فتراد السحرة بينهم ، وقال بعضهم لبعض : ما هذا بقول ساحر .
وقوله (
وأسروا النجوى ) يقول تعالى ذكره : وأسروا السحرة المناجاة بينهم .
ثم اختلف أهل العلم في السرار الذي أسروه ، فقال بعضهم : هو قول بعضهم لبعض : إن كان هذا ساحرا فإنا سنغلبه ، وإن كان من أمر السماء فإنه سيغلبنا .
وقال آخرون : في ذلك ما حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة عن
ابن إسحاق قال : حدثت عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه قال : أشار بعضهم إلى بعض بتناج (
إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ) .
حدثني
موسى قال : ثنا
عمرو قال : ثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى ) من دون
موسى وهارون ، قالوا في نجواهم (
إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ) قالوا : إن هذان لساحران ، يعنون بقولهم : إن هذان
موسى وهارون ، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد عن
قتادة قوله (
النجوى قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما )
موسى وهارون صلى الله عليهما .
وقد اختلفت القراء في قراءة قوله (
إن هذان لساحران ) فقرأته عامة قراء الأمصار ( إن هذان ) بتشديد إن وبالألف في هذان ، وقالوا : قرأنا ذلك كذلك ، وكان بعض أهل العربية من
أهل البصرة يقول : " إن " خفيفة في معنى ثقيلة ، وهي لغة لقوم يرفعون بها ، ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما ، وقال بعض نحويي
الكوفة : ذلك على وجهين : أحدهما على لغة
بني الحارث بن كعب ومن جاورهم ، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف ، وقد أنشدني رجل من
الأسد عن بعض
بني الحارث بن كعب :
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى مساغا لناباه الشجاع لصمما
قال : وحكي عنه أيضا : هذا خط يدا أخي أعرفه ، قال : وذلك وإن كان قليلا أقيس ، لأن العرب قالوا : مسلمون ، فجعلوا الواو تابعة للضمة ، لأنها لا تعرب ، ثم قالوا : رأيت المسلمين ، فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم ، قالوا : فلما رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها ، وثبت مفتوحا ، تركوا الألف تتبعه ،
[ ص: 329 ] فقالوا : رجلان في كل حال . قال : وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين ، في الرفع والنصب والخفض ، وهما اثنان ، إلا بني كنانة ، فإنهم يقولون : رأيت كلي الرجلين ، ومررت بكلي الرجلين ، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس ، قال : والوجه الآخر أن تقول : وجدت الألف من هذا دعامة ، وليست بلام فعل ، فلما بنيت زدت عليها نونا ، ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول بكل حال ، كما قالت العرب الذي ثم زادوا نونا تدل على الجمع ، فقالوا : الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم ، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه ، قال : وكان القياس أن يقولوا : اللذون ، وقال آخر منهم : ذلك من الجزم المرسل ، ولو نصب لخرج إلى الانبساط .
وحدثت عن
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبي عبيدة معمر بن المثنى قال : قال
أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس : إن هذين لساحران في اللفظ ، وكتب هذان كما يريدون الكتاب ، واللفظ صواب ، قال : وزعم
أبو الخطاب أنه سمع قوما من
بني كنانة وغيرهم ، يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب ، قال : وقال
بشر بن هلال : إن بمعنى الابتداء والإيجاب ، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ، ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها ، فترفع الخبر ولا تنصبه ، كما نصبت الاسم ، فكان مجاز "
إن هذان لساحران " ، مجاز كلامين ، مخرجه : إنه إي نعم ، ثم قلت : هذان ساحران . ألا ترى أنهم يرفعون المشترك كقول
ضابئ :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب
وقوله :
[ ص: 330 ] إن السيوف غدوها ورواحها تركت هوازن مثل قرن الأعضب
قال : ويقول بعضهم : إن الله وملائكته يصلون على النبي ، فيرفعون على شركة الابتداء ، ولا يعملون فيه إن . قال : وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون : إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، قال : وقرأها قوم على تخفيف نون إن وإسكانها ، قال : ويجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فصل ، قال :
أم الحليس لعجوز شهربه
قال : وزعم قوم أنه لا يجوز ، لأنه إذا خفف نون " إن " فلا بد له من أن يدخل " إلا " فيقول : إن هذا إلا ساحران .
قال
أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا ( إن ) بتشديد نونها ،
[ ص: 331 ] وهذان بالألف لإجماع الحجة من القراء عليه ، وأنه كذلك هو في خط المصحف ، ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الذين إذ زادوا على الذي النون ، وأقر في جميع الأحوال الإعراب على حالة واحدة ، فكذلك ( إن هذان ) زيدت على هذا نون وأقر في جميع أحوال الإعراب على حال واحدة ، وهي لغة
الحارث بن كعب وخثعم وزبيد ومن وليهم من قبائل
اليمن .
وقوله (
ويذهبا بطريقتكم المثلى ) يقول : ويغلبا على ساداتكم وأشرافكم ، يقال : هو طريقة قومه ونظورة قومه ، ونظيرتهم إذا كان سيدهم وشريفهم والمنظور إليه ، يقال ذلك للواحد والجمع ، وربما جمعوا ، فقالوا : هؤلاء طرائق قومهم ، ومنه قول الله تبارك وتعالى : (
كنا طرائق قددا ) وهؤلاء نظائر قومهم .
وأما قوله ( المثلى ) فإنها تأنيث الأمثل ، يقال للمؤنث ، خذ المثلى منهما . وفي المذكر : خذ الأمثل منهما ، ووحدت المثلى ، وهي صفة ونعت للجماعة ، كما قيل (
له الأسماء الحسنى ) وقد يحتمل أن يكون المثلى أنثت لتأنيث الطريقة .
وبنحو ما قلنا في معنى قوله (
بطريقتكم المثلى ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس قوله (
ويذهبا بطريقتكم المثلى ) يقول : أمثلكم وهم
بنو إسرائيل .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد قوله (
ويذهبا بطريقتكم المثلى ) قال : أولي العقل والشرف والأنساب .
حدثنا
القاسم قال : ثنا
الحسين قال : ثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
مجاهد في قوله (
ويذهبا بطريقتكم المثلى ) قال : أولي العقول والأشراف والأنساب .
حدثنا
أبو كريب وأبو السائب قالا ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد عن
قتادة قوله : (
ويذهبا بطريقتكم المثلى ) وطريقتهم المثلى يومئذ كانت
بنو إسرائيل ، وكانوا أكثر القوم عددا وأموالا وأولادا ، قال عدو الله : إنما يريدان
[ ص: 332 ] أن يذهبا بهم لأنفسهما .
حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر عن
قتادة في قوله (
بطريقتكم المثلى ) قال :
ببني إسرائيل .
حدثني
موسى قال : ثنا
عمرو قال : ثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
ويذهبا بطريقتكم المثلى ) يقول : يذهبا بأشراف قومكم .
وقال آخرون : معنى ذلك ويغيرا سنتكم ودينكم الذي أنتم عليه ، من قولهم : فلان حسن الطريقة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
ويذهبا بطريقتكم المثلى ) قال : يذهبا بالذي أنتم عليه ، يغير ما أنتم عليه ، وقرأ (
ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ) قال : هذا قوله : (
ويذهبا بطريقتكم المثلى ) وقال : يقول طريقتكم اليوم طريقة حسنة ، فإذا غيرت ذهبت هذه الطريقة .
وروي عن
علي في معنى قوله (
ويذهبا بطريقتكم المثلى ) ما حدثنا به
القاسم قال : ثنا
الحسين قال : ثنا
هشيم قال : أخبرنا
عبد الرحمن بن إسحاق عن
القاسم عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب قال : يصرفان وجوه الناس إليهما .
قال
أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله
ابن زيد في قوله (
ويذهبا بطريقتكم المثلى ) وإن كان قولا له وجه يحتمله الكلام ، فإن تأويل أهل التأويل خلافه ، فلا أستجيز لذلك القول به .