[ ص: 338 ] القول في
تأويل قوله تعالى : ( فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى ( 70 )
قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى ( 71 ) )
وفي هذا الكلام متروك قد استغنى بدلالة ما ترك عليه وهو : فألقى
موسى عصاه ، فتلقفت ما صنعوا (
فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى ) وذكر أن
موسى لما ألقى ما في يده تحول ثعبانا ، فالتقم كل ما كانت السحرة ألقته من الحبال والعصي .
ذكر الرواية عمن قال ذلك : حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
يعقوب عن
جعفر عن
سعيد قال : لما اجتمعوا وألقوا ما في أيديهم من السحر ، (
يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا ) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ، قال : فتحت فما لها مثل الدحل ، ثم وضعت مشفرها على الأرض ورفعت الآخر ، ثم استوعبت كل شيء ألقوه من السحر ، ثم جاء إليها فقبض عليها ، فإذا هي عصا ، فخر السحرة سجدا (
قالوا آمنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ) قال : فكان أول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف
فرعون (
ولأصلبنكم في جذوع النخل ) قال : فكان أول من صلب في جذوع النخل
فرعون .
حدثنا
موسى بن هارون قال : ثنا
عمرو قال : ثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
فأوجس في نفسه خيفة موسى ) فأوحى الله إليه (
لا تخف وألق ما في يمينك تلقف ما يأفكون ) فألقى عصاه فأكلت كل حية لهم ، فلما رأوا ذلك سجدوا (
قالوا آمنا برب هارون وموسى ) .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة عن
ابن إسحاق قال : حدثت عن
[ ص: 339 ] nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه (
فأوجس في نفسه خيفة موسى ) لما رأى ما ألقوا من الحبال والعصي وخيل إليه أنها تسعى ، وقال : والله إن كانت لعصيا في أيديهم ، ولقد عادت حيات ، وما تعدو عصاي هذه ، أو كما حدث نفسه ، فأوحى الله إليه أن (
وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ) وفرح
موسى فألقى عصاه من يده ، فاستعرضت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم ، وهي حيات في عين
فرعون وأعين الناس تسعى ، فجعلت تلقفها ، تبتلعها حية حية ، حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا ، ثم أخذها
موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت ، ووقع السحرة سجدا ، قالوا : آمنا برب
هارون وموسى ، لو كان هذا سحر ما غلبنا .
وقوله (
قال آمنتم له قبل أن آذن لكم ) يقول جل ثناؤه : وقال
فرعون للسحرة : أصدقتم وأقررتم
لموسى بما دعاكم إليه من قبل أن أطلق ذلك لكم (
إنه لكبيركم ) يقول : إن
موسى لعظيمكم (
الذي علمكم السحر ) .
كما حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة عن
ابن إسحاق قال : حدثت عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه قال : لما قالت السحرة (
آمنا برب هارون وموسى ) قال لهم
فرعون وأسف ورأى الغلبة والبينة : (
آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ) : أي لعظيم السحار الذي علمكم .
وقوله : (
فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ) يقول : فلأقطعن أيديكم وأرجلكم مخالفا بين قطع ذلك ، وذلك أن يقطع يمنى اليدين ويسرى الرجلين ، أو يسرى اليدين ، ويمنى الرجلين ، فيكون ذلك قطعا من خلاف ، وكان فيما ذكر أول من فعل ذلك
فرعون وقد ذكرنا الرواية بذلك . وقوله (
ولأصلبنكم في جذوع النخل ) يقول : ولأصلبنكم على جذوع النخل ، كما قال الشاعر :
هم صلبوا العبدي في جذع نخلة فلا عطست شيبان إلا بأجدعا
[ ص: 340 ] يعني على جذع نخلة ، وإنما قيل : " في جذوع " ، لأن المصلوب على الخشبة يرفع في طولها ، ثم يصير عليها ، فيقال : صلب عليها .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد عن
قتادة قوله (
ولأصلبنكم في جذوع النخل ) لما رأى السحرة ما جاء به عرفوا أنه من الله فخروا سجدا ، وآمنوا عند ذلك ، قال عدو الله (
فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ) . . . الآية .
حدثنا
موسى بن هارون قال : ثنا
عمرو قال : ثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال
فرعون : (
فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ) فقتلهم وقطعهم ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس حين قالوا (
ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ) وقال : كانوا في أول النهار سحرة ، وفي آخر النهار شهداء .
وقوله (
ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى ) يقول : ولتعلمن أيها السحرة أينا أشد عذابا لكم ، وأدوم ، أنا أو
موسى .