القول في
تأويل قوله تعالى : ( قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ( 92 )
ألا تتبعن أفعصيت أمري ( 93 )
قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ( 94 ) )
[ ص: 359 ] يقول تعالى ذكره : قال
موسى لأخيه
هارون لما فرغ من خطاب قومه ومراجعته إياهم على ما كان من خطأ فعلهم : يا
هارون أي شيء منعك إذ رأيتهم ضلوا عن دينهم ، فكفروا بالله وعبدوا العجل ألا تتبعني .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عذل
موسى عليه أخاه من تركه اتباعه ، فقال بعضهم : عذله على تركه السير بمن أطاعه في أثره على ما كان عهد إليه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة عن ابن
إسحاق عن
حكيم بن جبير عن
سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال : لما قال القوم (
لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) أقام
هارون فيمن تبعه من المسلمين ممن لم يفتتن ، وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل ، وتخوف
هارون إن سار بمن معه من المسلمين أن يقول له
موسى (
فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) وكان له هائبا مطيعا .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن ) قال : تدعهم .
وقال آخرون : بل عذله على تركه أن يصلح ما كان من فساد القوم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم قال : ثنا
الحسين قال : ثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قوله (
ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن ) قال : أمر
موسى هارون أن يصلح ، ولا يتبع سبيل المفسدين ، فذلك قوله (
ألا تتبعن أفعصيت أمري ) بذلك ، وقوله (
قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ) وفي هذا الكلام متروك ، ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام عليه ، وهو : ثم أخذ
موسى بلحية أخيه
هارون ورأسه يجره إليه ، فقال
هارون (
يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ) .
وقوله (
إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) فاختلف أهل العلم في صفة التفريق بينهم الذي خشيه
هارون فقال بعضهم : كان
هارون خاف أن يسير بمن أطاعه ، وأقام على دينه في أثر
موسى ، ويخلف
[ ص: 360 ] عبدة العجل ، وقد ( قالوا ) له (
لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) فيقول له
موسى (
فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) بسيرك بطائفة ، وتركك منهم طائفة وراءك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال
ابن زيد في قول الله تعالى (
ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري قال
خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) قال : خشيت أن يتبعني بعضهم ويتخلف بعضهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : خشيت أن نقتتل فيقتل بعضنا بعضا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم قال : ثنا
الحسين قال : ثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج (
إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) قال : كنا نكون فرقتين فيقتل بعضنا بعضا حتى نتفانى .
قال
أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي قاله
ابن عباس من أن
موسى عذل أخاه
هارون على تركه اتباع أمره بمن اتبعه من أهل الإيمان ، فقال له
هارون : إني خشيت أن تقول فرقت بين جماعتهم فتركت بعضهم وراءك وجئت ببعضهم ، وذلك بين في قول
هارون للقوم (
يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ) وفي جواب القوم له وقيلهم (
لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) .
وقوله (
ولم ترقب قولي ) يقول : ولم تنظر قولي وتحفظه ، من مراقبة الرجل الشيء ، وهي مناظرته بحفظه .
كما حدثنا
القاسم قال : ثنا
الحسين قال : ثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
ابن عباس (
ولم ترقب قولي ) قال : لم تحفظ قولي .