القول في
تأويل قوله تعالى : ( قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا ( 97 )
إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ( 98 ) )
يقول تعالى ذكره : قال
موسى للسامري : فاذهب فإن لك في أيام حياتك أن تقول : لا مساس : أي لا أمس ، ولا أمس . . وذكر أن موسى أمر
بني إسرائيل أن لا يؤاكلوه ، ولا يخالطوه ، ولا يبايعوه ، فلذلك قال له : إن لك في الحياة أن تقول لا مساس ، فبقي ذلك فيما ذكر في قبيلته .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد عن
قتادة قال : كان والله السامري عظيما من عظماء
بني إسرائيل من قبيلة يقال لها سامرة ، ولكن عدو الله نافق بعد ما قطع البحر مع
بني إسرائيل . قوله
[ ص: 364 ] (
فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ) فبقاياهم اليوم يقولون لا مساس .
وقوله (
وإن لك موعدا لن تخلفه ) اختلفت القراء في قراءته ، فقرأته عامة قراء
أهل المدينة والكوفة ( لن تخلفه ) بضم التاء وفتح اللام بمعنى : وإن لك موعدا لعذابك وعقوبتك على ما فعلت من إضلالك قومي حتى عبدوا العجل من دون الله ، لن يخلفكه الله ، ولكن يذيقكه ، وقرأ ذلك
الحسن وقتادة وأبو نهيك (
وإن لك موعدا لن تخلفه ) بضم التاء وكسر اللام ، بمعنى : وإن لك موعدا لن تخلفه أنت يا
سامري وتأولوه بمعنى : لن تغيب عنه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : ثنا
عبد المؤمن قال : سمعت
أبا نهيك يقرأ (
لن تخلفه أنت ) يقول : لن تغيب عنه .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد عن
قتادة (
وإن لك موعدا لن تخلفه ) يقول : لن تغيب عنه .
قال أبو جعفر : والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، لأنه لا شك أن الله موف وعده لخلقه بحشرهم لموقف الحساب ، وأن الخلق موافون ذلك اليوم ، فلا الله مخلفهم ذلك ، ولا هم مخلفوه بالتخلف عنه ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب في ذلك .
وقوله (
وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا ) يقول : وانظر إلى معبودك الذي ظلت عليه مقيما تعبده .
كما حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس قوله : (
ظلت عليه عاكفا ) الذي أقمت عليه .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قال : فقال له
موسى (
وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا ) يقول : الذي أقمت عليه . وللعرب في ظلت : لغتان : الفتح في الظاء ، وبها قرأ قراء الأمصار ، والكسر فيها ، وكأن الذين كسروا نقلوا حركة اللام التي هي عين الفعل من ظللت إليها ، ومن فتحها أقر حركتها التي كانت لها قبل أن يحذف منها شيء ، والعرب تفعل في الحروف التي فيها التضعيف ذاك ،
[ ص: 365 ] فيقولون في مسست مست ومست وفي هممت بذلك : همت به ، وهل أحست فلانا وأحسسته ، كما قال الشاعر :
خلا أن العتاق من المطايا أحسن به فهن إليه شوس
وقوله ( لنحرقنه ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
الحجاز والعراق ( لنحرقنه ) بضم النون وتشديد الراء ، بمعنى لنحرقنه بالنار قطعة قطعة ، وروي عن
الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك ( لنحرقنه ) بضم النون ، وتخفيف الراء ، بمعنى : لنحرقنه بالنار إحراقة واحدة ، وقرأه
أبو جعفر القارئ : ( لنحرقنه ) بفتح النون وضم الراء بمعنى : لنبردنه بالمبارد من حرقته أحرقه وأحرقه ، كما قال الشاعر :
بذي فرقين يوم بنو حبيب نيوبهم علينا يحرقونا
[ ص: 366 ] والصواب في ذلك عندنا من القراءة ( لنحرقنه ) بضم النون وتشديد الراء ، من الإحراق بالنار .
كما حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس قوله : ( لنحرقنه ) يقول : بالنار .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ( لنحرقنه ) فحرقه ثم ذراه في اليم ، وإنما اخترت هذه القراءة لإجماع الحجة من القراء عليها .
وأما
أبو جعفر فإني أحسبه ذهب إلى ما حدثنا به
موسى بن هارون قال : ثنا
عمرو قال : ثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا ) ثم أخذه فذبحه ، ثم حرقه بالمبرد ، ثم ذراه في اليم ، فلم يبق بحر يومئذ إلا وقع فيه شيء منه .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد عن
قتادة (
وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا ) قال : وفي بعض القراءة لنذبحنه ثم لنحرقنه ، ثم لننسفنه في اليم نسفا .
حدثنا
الحسن قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر عن
قتادة في حرف
ابن مسعود (
وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا إنما إلهكم ) .
وقوله (
ثم لننسفنه في اليم نسفا ) يقول : ثم لنذرينه في البحر تذرية ، يقال منه : نسف فلان الطعام بالمنسف : إذا ذراه فطير عنه قشوره وترابه باليد أو الريح .
[ ص: 367 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
عبد الله قال : ثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس قوله (
ثم لننسفنه في اليم نسفا ) يقول : لنذرينه في البحر .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قال : ذراه في اليم ، واليم : البحر .
حدثنا
موسى قال : ثنا
عمرو قال : ثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : ذراه في اليم .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد عن
قتادة في اليم ، قال : في البحر .
وقوله ( إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ) يقول : ما لكم أيها القوم معبود إلا الذي له عبادة جميع الخلق لا تصلح العبادة لغيره ، ولا تنبغي أن تكون إلا له (
وسع كل شيء علما ) يقول : أحاط بكل شيء علما فعلمه فلا يخفى عليه منه شيء ولا يضيق عليه علم جميع ذلك ، يقال منه : فلان يسع لهذا الأمر : إذا أطاقه وقوي عليه ، ولا يسع له : إذا عجز عنه فلم يطقه ولم يقو عليه .
وكان
قتادة يقول في ذلك ما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد عن
قتادة قوله (
وسع كل شيء علما ) يقول : ملأ كل شيء علما تبارك وتعالى .