القول في تأويل قوله تعالى : ( ما تتلو الشياطين )
قال
أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( ما تتلو الشياطين ) ، الذي تتلو . فتأويل الكلام إذا : واتبعوا الذي تتلو الشياطين .
واختلف في تأويل قوله : ( تتلو ) . فقال بعضهم : يعني بقوله : ( تتلو ) ، تحدث وتروي ، وتتكلم به وتخبر ، نحو "تلاوة" الرجل للقرآن ، وهي قراءته . ووجه قائلو هذا القول تأويلهم ذلك ، إلى أن الشياطين هي التي علمت الناس السحر وروته لهم .
ذكر من قال ذلك :
1651 - حدثني
المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
عمرو ، عن
مجاهد في قول الله : (
واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، قال : كانت الشياطين تسمع الوحي ، فما سمعوا من كلمة زادوا فيها
[ ص: 410 ] مائتين مثلها . فأرسل
سليمان إلى ما كتبوا من ذلك فجمعه ، فلما توفي
سليمان وجدته الشياطين ، فعلمته الناس ، وهو السحر .
1652 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، من الكهانة والسحر . وذكر لنا ، والله أعلم ، أن الشياطين ابتدعت كتابا فيه سحر وأمر عظيم ، ثم أفشوه في الناس وعلموهم إياه .
1653 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
عطاء : قوله : (
واتبعوا ما تتلو الشياطين ) ، قال : نراه ما تحدث .
1654 - حدثني
سلم بن جنادة السوائي قال : حدثنا
أبو معاوية ، عن
الأعمش ، عن
المنهال ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : انطلقت الشياطين في الأيام التي ابتلي فيها
سليمان ، فكتبت فيها كتبا فيها سحر وكفر ، ثم دفنوها تحت كرسي
سليمان ، ثم أخرجوها فقرأوها على الناس .
وقال آخرون : معنى قوله : ( ما تتلو ) ، ما تتبعه وترويه وتعمل به .
ذكر من قال ذلك :
1655 - حدثنا
الحسن بن عمرو العنقزي قال : حدثني أبي ، عن
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي مالك ، عن
ابن عباس : ( تتلو ) ، قال : تتبع .
1656 - حدثني
نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال : حدثنا
يحيى بن إبراهيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
منصور ، عن
أبي رزين مثله .
[ ص: 411 ]
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عز وجل أخبر عن الذين أخبر عنهم أنهم اتبعوا ما تتلو الشياطين على عهد
سليمان ، باتباعهم ما تلته الشياطين .
ولقول القائل : "هو يتلو كذا" في كلام العرب معنيان . أحدهما : الاتباع ، كما يقال : "تلوت فلانا" إذا مشيت خلفه وتبعت أثره ، كما قال جل ثناؤه : (
هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت ) [ يونس : 30 ] ، يعني بذلك تتبع .
والآخر : القراءة والدراسة ، كما تقول : "فلان يتلو القرآن" ، بمعنى أنه يقرأه ويدرسه ، كما قال
حسان بن ثابت :
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مشهد
ولم يخبرنا الله جل ثناؤه - بأى معنى"التلاوة" كانت تلاوة الشياطين الذين تلوا ما تلوه من السحر على عهد
سليمان - بخبر يقطع العذر . وقد يجوز أن تكون الشياطين تلت ذلك دراسة ورواية وعملا فتكون كانت متبعته بالعمل ، ودارسته بالرواية ، فاتبعت
اليهود منهاجها في ذلك ، وعملت به ، وروته .