القول في
تأويل قوله تعالى : ( ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ( 129 )
فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ( 130 ) )
[ ص: 399 ] يقول تعالى ذكره (
ولولا كلمة سبقت من ربك ) يا
محمد أن كل من قضى له أجلا فإنه لا يخترمه قبل بلوغه أجله (
وأجل مسمى ) يقول : ووقت مسمى عند ربك سماه لهم في أم الكتاب وخطه فيه ، هم بالغوه ومستوفوه (
لكان لزاما ) يقول : للازمهم الهلاك عاجلا وهو مصدر من قول القائل : لازم فلان فلانا يلازمه ملازمة ولزاما : إذا لم يفارقه ، وقدم قوله (
لكان لزاما ) قبل قوله (
وأجل مسمى ) ومعنى الكلام : ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما ، فاصبر على ما يقولون .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد قوله (
ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ) الأجل المسمى : الدنيا .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد عن
قتادة قوله (
ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ) وهذه من مقاديم الكلام ، يقول : لولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى كان لزاما ، والأجل المسمى الساعة ، لأن الله تعالى يقول (
بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ) .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ) قال : هذا مقدم ومؤخر ، ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله (
لكان لزاما ) فقال بعضهم : معناه : لكان موتا .
[ ص: 400 ] ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثني
أبو صالح قال : ثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس قوله (
لكان لزاما ) يقول : موتا .
وقال آخرون : معناه لكان قتلا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد (
لكان لزاما ) واللزوم : القتل .
وقوله (
فاصبر على ما يقولون ) يقول جل ثناؤه لنبيه : فاصبر يا
محمد على ما يقول هؤلاء المكذبون بآيات الله من قومك لك إنك ساحر وإنك مجنون وشاعر ونحو ذلك من القول (
وسبح بحمد ربك ) يقول : وصل بثنائك على ربك ، وقال : بحمد ربك ، والمعنى : بحمدك ربك ، كما تقول : أعجبني ضرب زيد ، والمعنى : ضربي زيدا ، وقوله : (
قبل طلوع الشمس ) وذلك صلاة الصبح (
وقبل غروبها ) وهي العصر (
ومن آناء الليل ) وهي ساعات الليل ، واحدها : إنى ، على تقدير حمل ، ومنه قول المتنخل
السعدي :
حلو ومر كعطف القدح مرته في كل إنى قضاه الليل ينتعل
ويعني بقوله (
ومن آناء الليل فسبح ) صلاة العشاء الآخرة ، لأنها تصلى بعد مضي آناء من الليل . وقوله (
وأطراف النهار ) : يعني صلاة الظهر والمغرب ، وقيل : أطراف النهار ، والمراد بذلك الصلاتان اللتان ذكرتا ، لأن صلاة الظهر في آخر طرف النهار الأول ، وفي أول طرف النهار الآخر ، فهي في طرفين منه ،
[ ص: 401 ] والطرف الثالث : غروب الشمس ، وعند ذلك تصلى المغرب ، فلذلك قيل أطراف ، وقد يحمل أن يقال : أريد به طرفا النهار . وقيل : أطراف ، كما قيل (
صغت قلوبكما ) فجمع ، والمراد : قلبان ، فيكون ذلك أول طرف النهار الآخر ، وآخر طرفه الأول .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان عن
عاصم عن
ابن أبي زيد عن
ابن عباس (
وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) قال : الصلاة المكتوبة .
حدثنا
تميم بن المنتصر قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون قال : أخبرنا
إسماعيل بن أبي خالد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس بن أبي حازم عن
nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502050كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى القمر ليلة البدر فقال : " إنكم راءون ربكم كما ترون هذا ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا " ثم تلا ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) " .
حدثنا
القاسم قال : ثنا
الحسين قال : ثني
حجاج (
وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : العصر ، وأطراف النهار قال : المكتوبة .
حدثنا
الحسن قال : أخبرنا
عبد الرزاق عن
معمر عن
قتادة في قوله (
وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس ) قال : هي صلاة الفجر (
وقبل غروبها ) قال : صلاة العصر (
ومن آناء الليل ) قال : صلاة المغرب والعشاء (
وأطراف النهار ) قال : صلاة الظهر .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار ) قال : من آناء الليل : العتمة ، وأطراف النهار : المغرب والصبح ، ونصب قوله (
وأطراف النهار ) عطفا على قوله (
قبل طلوع الشمس ) لأن معنى ذلك : فسبح بحمد ربك آخر الليل ، وأطراف النهار .
[ ص: 402 ] وبنحو الذي قلنا في معنى (
آناء الليل ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم قال : ثنا
الحسين قال : ثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
ابن عباس (
ومن آناء الليل ) قال : المصلى من الليل كله .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية عن
أبي رجاء قال : سمعت
الحسن قرأ (
ومن آناء الليل ) قال : من أوله ، وأوسطه ، وآخره .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، في قوله (
ومن آناء الليل فسبح ) قال : آناء الليل : جوف الليل .
وقوله (
لعلك ترضى ) يقول : كي ترضى .
وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
المدينة والعراق (
لعلك ترضى ) بفتح التاء . وكان
عاصم nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي يقرآن ذلك ( لعلك ترضى ) بضم التاء ، وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي وكأن الذين قرءوا ذلك بالفتح ذهبوا إلى معنى : إن الله يعطيك ، حتى ترضى عطيته وثوابه إياك ، وكذلك تأوله أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
لعلك ترضى ) قال : الثواب ، ترضى بما يثيبك الله على ذلك .
حدثنا
القاسم قال : ثنا
الحسين قال : ثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج (
لعلك ترضى ) قال : بما تعطى ، وكأن الذين قرءوا ذلك بالضم وجهوا معنى الكلام إلى لعل الله يرضيك من عبادتك إياه ، وطاعتك له . والصواب من القول في ذلك عندي : أنهما قراءتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، وهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار ، متفقتا المعنى ، غير مختلفتيه ، وذلك أن الله تعالى ذكره إذا أرضاه ، فلا شك أنه يرضى ، وأنه إذا رضي فقد أرضاه الله ، فكل واحدة منهما تدل على معنى الأخرى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب .