القول في تأويل
قوله تعالى : ( واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين ( 97 ) )
[ ص: 533 ] يقول تعالى ذكره : حتى إذا فتحت
يأجوج ومأجوج ، اقترب الوعد الحق ، وذلك وعد الله الذي وعد عباده أنه يبعثهم من قبورهم للجزاء والثواب والعقاب ، وهو لا شك حق كما قال جل ثناؤه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
الحكم بن بشير ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16717عمرو ، يعني ابن قيس ، قال : ثنا
حذيفة : لو أن رجلا افتلى فلوا بعد خروج
يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم القيامة .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
واقترب الوعد الحق ) قال : اقترب يوم القيامة منهم ، والواو في قوله (
واقترب الوعد الحق ) مقحمة ، ومعنى الكلام : حتى إذا فتحت
يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق ، وذلك نظير قوله (
فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ) معناه : نادينا ، بغير واو ، كما قال
امرؤ القيس :
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل
يريد : فلما أجزنا ساحة الحي انتحى بنا .
وقوله (
فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ) ففي هي التي في قوله فإذا هي وجهان : أحدهما أن تكون كناية عن الأبصار ، وتكون الأبصار الظاهرة بيانا عنها ، كما قال الشاعر :
لعمروا أبيها لا تقول ظعينتي ألا فر عني مالك بن أبي كعب
[ ص: 534 ] فكنى عن الظعينة في : لعمروا أبيها ، ثم أظهرها ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا .
والثاني : أن تكون عمادا كما قال جل ثناؤه (
فإنها لا تعمى الأبصار ) وكقول الشاعر :
فهل هو مرفوع بما هاهنا رأس
وقوله (
يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا ) يقول تعالى ذكره : فإذا أبصار الذين كفروا قد شخصت عند مجيء الوعد الحق بأهواله وقيام الساعة بحقائقها ، وهم يقولون : يا ويلنا قد كنا قبل هذا الوقت في الدنيا في غفلة من هذا الذي نرى ونعاين ونزل بنا من عظيم البلاء ، وفي الكلام متروك ترك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر عليه عنه ، وذلك يقولون من قوله (
فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا )
[ ص: 535 ] يقولون يا ويلنا ، وقوله (
بل كنا ظالمين ) يقول مخبرا عن قيل الذين كفروا بالله يومئذ : ما كنا نعمل لهذا اليوم ما ينجينا من شدائده ، بل كنا ظالمين بمعصيتنا ربنا وطاعتنا إبليس وجنده في عبادة غير الله عز وجل .