القول في تأويل قوله تعالى : (
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ( 104 ) )
يقول تعالى ذكره : لا يحزنهم الفزع الأكبر يوم نطوي السماء ، ف " يوم " صلة من " يحزنهم " .
[ ص: 543 ] واختلف أهل التأويل في معنى السجل الذي ذكره الله في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هو اسم ملك من الملائكة .
ذكر من قال ذلك : حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
ابن يمان ، قال : ثنا
أبو الوفاء الأشجعي ، عن أبيه ، عن
ابن عمر ، في
قوله ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ) قال : السجل : ملك ، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبها نورا .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
مؤمل ، قال : ثنا
سفيان ، قال : سمع
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي يقول في قوله (
يوم نطوي السماء كطي السجل ) قال : السجل ملك .
وقال آخرون : السجل : رجل كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك : حدثنا
نصر بن علي ، قال : ثنا
نوح بن قيس ، قال : ثنا
عمرو بن مالك عن
أبي الجوزاء ، عن
ابن عباس في هذه الآية (
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ) قال : كان
ابن عباس يقول : هو الرجل .
قال : ثنا
نوح بن قيس ، قال : ثنا
يزيد بن كعب ، عن
عمرو بن مالك ، عن
أبي الجوزاء ، عن
ابن عباس ، قال : السجل : كاتب كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : بل هو الصحيفة التي يكتب فيها .
ذكر من قال ذلك : حدثني
علي قال : ثنا
عبد الله قال : ثني
معاوية ، عن
علي عن
ابن عباس قوله (
كطي السجل للكتاب ) يقول : كطي الصحيفة على الكتاب .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قالا ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب ) يقول : كطي الصحف .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
[ ص: 544 ] مجاهد ، قال : السجل : الصحيفة .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد قوله (
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب ) قال : السجل : الصحيفة .
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال : السجل في هذا الموضع الصحيفة ، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب ، ولا يعرف لنبينا صلى الله عليه وسلم كاتب كان اسمه السجل ، ولا في الملائكة ملك ذلك اسمه .
فإن قال قائل : وكيف نطوي الصحيفة بالكتاب إن كان السجل صحيفة ؟ قيل : ليس المعنى كذلك ، وإنما معناه : يوم نطوي السماء كطي السجل على ما فيه من الكتاب ، ثم جعل نطوي مصدرا ، فقيل (
كطي السجل للكتاب ) واللام في قوله للكتاب بمعنى على .
واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار ، سوى
أبي جعفر القارئ (
يوم نطوي السماء ) بالنون ، وقرأ ذلك
أبو جعفر " يوم تطوى السماء " بالتاء وضمها ، على وجه ما لم يسم فاعله .
والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار ، بالنون ، لإجماع الحجة من القراء عليه وشذوذ ما خالفه . وأما السجل فإنه في قراءة جميعهم بتشديد اللام ، وأما الكتاب ، فإن قراء أهل المدينة وبعض أهل الكوفة والبصرة قرءوه بالتوحيد ، كطي السجل للكتاب ، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة ( للكتب ) على الجماع .
وأولى القراءتين عندنا في ذلك بالصواب قراءة من قرأه على التوحيد للكتاب لما ذكرنا من معناه ، فإن المراد منه : كطي السجل على ما فيه مكتوب ، فلا وجه إذ كان ذلك معناه لجميع الكتب إلا وجها نتبعه من معروف كلام العرب ، وعند قوله (
كطي السجل ) انقضاء الخبر عن صلة قوله (
لا يحزنهم الفزع الأكبر ) ، ثم ابتدأ الخبر عما الله فاعل بخلقه يومئذ فقال تعالى ذكره (
كما بدأنا أول خلق نعيده ) .
فالكاف التي في قوله ( كما ) من صلة نعيد ، تقدمت قبلها ، ومعنى الكلام : نعيد الخلق عراة حفاة غرلا يوم القيامة ، كما بدأناهم أول مرة في حال خلقناهم في بطون أمهاتهم ، على اختلاف من أهل التأويل
[ ص: 545 ] في تأويل ذلك .
وبالذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل ، وبه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلذلك اخترت القول به على غيره .
ذكر من قال ذلك والأثر الذي جاء فيه : حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى - وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
أول خلق نعيده ) قال : حفاة عراة غرلا .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد قوله (
أول خلق نعيد ) قال : حفاة غلفا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أخبرني
إبراهيم بن ميسرة ، أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812424قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحدى نسائه : " يأتونه حفاة عراة غلفا ، فاستترت بكم درعها ، وقالت وا سوأتاه " قال nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : أخبرت أنها عائشة قالت : يا نبي الله ، لا يحتشم الناس بعضهم بعضا ؟ قال : " لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه " .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
يحيى بن سعيد ، قال : ثنا
سفيان ، قال : ثني
المغيرة بن النعمان ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502059يحشر الناس حفاة عراة غزلا فأول من يكسى إبراهيم " ثم قرأ ( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ) .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
إسحاق بن يوسف ، قال : ثنا
سفيان ، عن
المغيرة بن النعمان ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، قال : " وقام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة ، فذكره نحوه " .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر قال : ثنا
شعبة عن
المغيرة بن النعمان النخعي ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، قال : " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكره نحوه .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
شعبة قال : ثنا
المغيرة بن النعمان النخعي ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس نحوه .
حدثنا
عيسى بن يوسف بن الطباع أبو يحيى ، قال : ثنا
سفيان ، عن
[ ص: 546 ] nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810830إنكم ملاقو الله مشاة غرلا " .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
ابن إدريس ، عن
ليث ، عن
مجاهد ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=812425عن عائشة ، قالت : " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي عجوز من بني عامر ، فقال : من هذه العجوز يا عائشة ؟ فقلت : إحدى خالاتي ، فقالت : ادع الله أن يدخلني الجنة ، فقال : إن الجنة لا يدخلها العجزة ، قالت : فأخذ العجوز ما أخذها ، فقال : إن الله ينشئهن خلقا غير خلقهن ، ثم قال : يحشرون حفاة عراة غلفا ، فقالت : حاش لله من ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بلى إن الله قال : ( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا ) . . . إلى آخر الآية ، فأول من يكسى إبراهيم خليل الله " .
حدثني
محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا
عبيد الله قال : ثنا
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن
عطاء ، عن
عقبة بن عامر الجهني ، قال : يجمع الناس في صعيد واحد ينفذهم البصر ، ويسمعهم الداعي حفاة عراة ، كما خلقوا أول يوم .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
عباد بن العوام ، عن
هلال بن حبان ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502060يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة مشاة غرلا قلت : يا أبا عبد الله ما الغرل ؟ قال : الغلف ، فقال بعض أزواجه : يا رسول الله ، أينظر بعضنا إلى بعض إلى عورته ؟ فقال لكل امرئ يومئذ ما يشغله عن النظر إلى عورة أخيه " ، قال
هلال : قال
سعيد بن جبير (
ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ) قال : كيوم ولدته أمه ، يرد عليه كل شيء انتقص منه مثل يوم ولد .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : كما كنا ولا شيء غيرنا قبل أن نخلق شيئا ، كذلك نهلك الأشياء فنعيدها فانية ، حتى لا يكون شيء سوانا .
ذكر من قال ذلك : حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
كما بدأنا أول خلق نعيده ) . . . الآية ، قال : نهلك كل شيء كما كان أول مرة . وقوله (
وعدا علينا )
[ ص: 547 ] يقول : وعدناكم ذلك وعدا حقا علينا أن نوفي بما وعدنا ، إنا كنا فاعلي ما وعدناكم من ذلك أيها الناس ، لأنه قد سبق في حكمنا وقضائنا أن نفعله ، على يقين بأن ذلك كائن ، واستعدوا وتأهبوا .