القول في
تأويل قوله تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ( 105 ) )
اختلف أهل التأويل في المعني بالزبور والذكر في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عني بالزبور كتب الأنبياء كلها التي أنزلها الله عليهم ، وعني بالذكر : أم الكتاب التي عنده في السماء .
ذكر من قال ذلك : حدثني
عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : ثنا
يحيى بن عيسى ، عن
الأعمش ، قال : سألت
سعيدا ، عن قول الله (
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) قال : الذكر : الذي في السماء .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
عيسى بن يونس ، عن
الأعمش ، عن
سعيد بن جبير ، في قوله (
ولقد كتبنا في الزبور ) قال : قرأها
الأعمش : ( الزبر ) قال : الزبور ، والتوراة ، والإنجيل ، والقرآن ، (
من بعد الذكر ) قال : الذكر الذي في السماء .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ( الزبور ) قال : الكتاب ، ( من بعد الذكر ) قال : أم الكتاب عند الله .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد قوله ( الزبور ) قال : الكتاب ، (
بعد الذكر ) قال : أم الكتاب عند الله .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
ولقد كتبنا في الزبور ) قال : الزبور : الكتب التي أنزلت على الأنبياء ، والذكر : أم الكتاب الذي تكتب فيه الأشياء قبل ذلك .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
سعيد ، في قوله
[ ص: 548 ] (
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) قال : كتبنا في القرآن من بعد التوراة .
وقال آخرون : بل عنى بالزبور الكتب التي أنزلها الله على من بعد
موسى من الأنبياء ، وبالذكر التوراة .
ذكر من قال ذلك : حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) . . . الآية ، قال : الذكر : التوراة ، والزبور : الكتب .
حدثنا عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول ، في قوله (
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) . . . الآية ، قال : الذكر : التوراة ، ويعني بالزبور من بعد التوراة : الكتب .
وقال آخرون : بل عنى بالزبور زبور داود ، وبالذكر توراة موسى صلى الله عليهما .
ذكر من قال ذلك : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال : ثنا
عبد الوهاب ، قال : ثنا
داود ، عن
عامر أنه قال في هذه الآية (
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) قال : زبور
داود ، من بعد الذكر : ذكر
موسى التوراة .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
ابن أبي عدي ، عن
داود ، عن
الشعبي ، أنه قال في هذه الآية (
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) قال : في زبور
داود ، من بعد ذكر
موسى .
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في ذلك ما قاله
سعيد بن جبير ومجاهد ومن قال بقولهما في ذلك ، من أن معناه : ولقد كتبنا في الكتب من بعد أم الكتاب الذي كتب الله كل ما هو كائن فيه قبل خلق السماوات والأرض ، وذلك أن الزبور هو الكتاب ، يقال منه : زبرت الكتاب وذبرته : إذا كتبته ، وأن كل كتاب أنزله الله إلى نبي من أنبيائه ، فهو ذكر . فإذ كان ذلك كذلك ، فإن في إدخاله الألف واللام في الذكر الدلالة البينة أنه معني به ذكر بعينه معلوم عند المخاطبين بالآية ، ولو كان ذلك غير أم الكتاب التي ذكرنا لم تكن التوراة
[ ص: 549 ] بأولى من أن تكون المعنية بذلك من صحف
إبراهيم ، فقد كان قبل زبور
داود .
فتأويل الكلام إذن ، إذ كان ذلك كما وصفنا : ولقد قضينا ، فأثبتنا قضاءنا في الكتب من بعد أم الكتاب أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ، يعني بذلك : أن أرض الجنة يرثها عبادي العاملون بطاعته ، المنتهون إلى أمره ونهيه من عباده ، دون العاملين بمعصيته منهم المؤثرين طاعة الشيطان على طاعته .
ذكر من قال ذلك : حدثنا
محمد بن عبد الله الهلالي ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، قال : ثنا
إسرائيل ، عن
أبي يحيى القتات عن
مجاهد ، عن
ابن عباس قوله (
أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : أرض الجنة .
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي عن
ابن عباس قوله (
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : أخبر سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض ، أن يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض ، ويدخلهم الجنة ، وهم الصالحون .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
سعيد بن جبير في قوله (
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : كتبنا في القرآن بعد التوراة ، والأرض أرض الجنة .
حدثني
علي بن سهل ، قال : ثنا
حجاج ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع بن أنس عن
أبي العالية (
أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : الأرض : الجنة .
حدثني
عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : ثنا
يحيى بن عيسى ، عن
الأعمش قال : سألت
سعيدا عن قول الله (
أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : أرض الجنة .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله ( أن الأرض ) قال : الجنة ، (
يرثها عبادي الصالحون ) .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،
[ ص: 550 ] عن
مجاهد ، مثله .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : الجنة ، وقرأ قول الله جل ثناؤه (
وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ) قال : فالجنة مبتدؤها في الأرض ثم تذهب درجات علوا ، والنار مبتدؤها في الأرض ، وبينهما حجاب سور ما يدري أحد ما ذاك السور ، وقرأ (
باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) قال : ودرجها تذهب سفالا في الأرض ، ودرج الجنة تذهب علوا في السماوات .
حدثنا
محمد بن عوف ، قال : ثنا
أبو المغيرة ، قال : ثنا
صفوان ، سألت
عامر بن عبد الله أبا اليمان : هل لأنفس المؤمنين مجتمع ؟ قال : فقال : إن الأرض التي يقول الله (
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : هي الأرض التي تجتمع إليها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث .
وقال آخرون : هي الأرض يورثها الله المؤمنين في الدنيا .
وقال آخرون : عني بذلك
بنو إسرائيل ، وذلك أن الله وعدهم ذلك فوفى لهم به .
واستشهد لقوله ذلك بقول الله (
وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) وقد ذكرنا قول من قال (
أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) أنها أرض الأمم الكافرة ، ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو قول
ابن عباس الذي روى عنه
علي بن أبي طلحة .