القول في
تأويل قوله تعالى : ( إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ( 106 )
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( 107 ) )
يقول تعالى ذكره : إن في هذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم لبلاغا لمن عبد الله بما فيه من الفرائض التي فرضها الله إلى رضوانه ، وإدراك الطلبة عنده
[ ص: 551 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
الجريري ، عن
أبي الورد بن ثمامة ، عن
أبي محمد الحضرمي ، قال : ثنا
كعب في هذا المسجد ، قال : والذي نفس
كعب بيده ، إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ، إنهم لأهل ، أو أصحاب الصلوات الخمس ، سماهم الله عابدين .
حدثنا
الحسين بن يزيد الطحان ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
سعيد بن إياس الجريري ، عن
أبي الورد عن
كعب ، في قوله (
إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ) قال : صوم شهر رمضان ، وصلاة الخمس ، قال : هي ملء اليدين والبحر عبادة .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
محمد بن الحسين ، عن
الجريري ، قال : قال
كعب الأحبار (
إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ) : لأمة
محمد .
حدثني
علي قال : ثنا
عبد الله قال : ثني
معاوية ، عن
علي عن
ابن عباس قوله (
إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ) يقول : عاملين .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قوله (
إن في هذا بلاغا لقوم عابدين ) قال : يقولون في هذه السورة لبلاغا .
ويقول آخرون : في القرآن تنزيل لفرائض الصلوات الخمس ، من أداها كان بلاغا لقوم عابدين ، قال : عاملين .
حدثنا
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ) قال : إن في هذا لمنفعة وعلما لقوم عابدين ، ذاك البلاغ .
وقوله ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : وما أرسلناك يا
محمد إلى خلقنا إلا رحمة لمن أرسلناك إليه من خلقي .
ثم اختلف أهل التأويل في معنى هذه الآية ، أجميع العالم الذي أرسل إليهم
محمد أريد بها مؤمنهم وكافرهم ؟ أم أريد بها أهل الإيمان خاصة دون أهل الكفر ؟
[ ص: 552 ] فقال بعضهم : عنى بها جميع العالم المؤمن والكافر .
ذكر من قال ذلك : حدثني
إسحاق بن شاهين ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12408إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن
المسعودي ، عن رجل يقال له
سعيد ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، في قول الله في كتابه (
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) قال : من آمن بالله واليوم الآخر كتب له الرحمة في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن بالله ورسوله ، عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
عيسى بن يونس ، عن
المسعودي ، عن
أبي سعيد عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، في قوله (
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) قال : تمت الرحمة لمن به في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن به عوفي مما أصاب الأمم قبل .
وقال آخرون : بل أريد بها أهل الإيمان دون أهل الكفر .
ذكر من قال ذلك : حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) قال : العالمون : من آمن به وصدقه ، قال (
وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ) قال : فهو لهؤلاء فتنة ولهؤلاء رحمة ، وقد جاء الأمر مجملا رحمة للعالمين ، والعالمون هاهنا : من آمن به وصدقه وأطاعه .
وأولى القولين في ذلك بالصواب . القول الذي روي عن
ابن عباس ، وهو أن الله أرسل نبيه
محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالم ، مؤمنهم وكافرهم . فأما مؤمنهم فإن الله هداه به ، وأدخله بالإيمان به وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة . وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذبة رسلها من قبله .