القول في
تأويل قوله تعالى : ( قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون ( 112 ) )
يقول تعالى ذكره : قل يا
محمد : يا رب افصل بيني وبين من كذبني من مشركي قومي وكفر بك ، وعبد غيرك ، بإحلال عذابك ونقمتك بهم ، وذلك هو الحق الذي أمر الله تعالى نبيه أن يسأل ربه الحكم به ، وهو نظير قوله جل ثناؤه (
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين )
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
ابن عباس (
قال رب احكم بالحق ) قال : لا يحكم بالحق إلا الله ، ولكن إنما استعجل بذلك في الدنيا ، يسأل ربه على قومه .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان إذا شهد قتالا قال ( رب احكم بالحق ) .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار (
قل رب احكم ) بكسر الباء ، ووصل الألف ألف احكم ، على وجه الدعاء والمسألة ،
[ ص: 555 ] سوى
أبي جعفر ، فإنه ضم الباء من الرب ، على وجه نداء المفرد ، وغير
الضحاك بن مزاحم ، فإنه روي عنه أنه كان يقرأ ذلك : ( ربي أحكم ) على وجه الخبر بأن الله أحكم بالحق من كل حاكم ، فيثبت الياء في الرب ، ويهمز الألف من أحكم ، ويرفع أحكم على أنه خبر للرب تبارك وتعالى .
والصواب من القراءة عندنا في ذلك : وصل الباء من الرب وكسرها باحكم ، وترك قطع الألف من احكم ، على ما عليه قراء الأمصار ، لإجماع الحجة من القراء عليه وشذوذ ما خالفه . وأما
الضحاك فإن في القراءة التي ذكرت عنه زيادة حرف على خط المصاحف ، ولا ينبغي أن يزاد ذلك فيها ، مع صحة معنى القراءة بترك زيادته ، وقد زعم بعضهم أن معنى قوله (
رب احكم بالحق ) قل : رب احكم بحكمك الحق ، ثم حذف الحكم الذي الحق نعت له ، وأقيم الحق مقامه ، ولذلك وجه ، غير أن الذي قلناه أوضح وأشبه بما قاله أهل التأويل ، فلذلك اخترناه .
وقوله (
وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون ) يقول جل ثناؤه : وقل يا
محمد : وربنا الذي يرحم عباده ويعمهم بنعمته ، الذي أستعينه عليكم فيما تقولون وتصفون من قولكم لي فيما أتيتكم به من عند الله (
هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ) وقولكم (
بل افتراه بل هو شاعر ) وفي كذبكم على الله جل ثناؤه وقيلكم (
اتخذ الرحمن ولدا ) فإنه هين عليه تغيير ذلك ، وفصل ما بيني وبينكم بتعجيل العقوبة لكم على ما تصفون من ذلك .
آخر تفسير سورة الأنبياء عليهم السلام