القول في
تأويل قوله تعالى : ( ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ( 9 )
ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ( 10 ) )
يقول تعالى ذكره : يجادل هذا الذي يجادل في الله بغير علم (
ثاني عطفه ) .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي من أجله وصف بأنه يثني عطفه ، وما المراد من وصفه إياه بذلك ، فقال بعضهم : وصفه بذلك لتكبره وتبختره ، وذكر عن العرب أنها تقول : جاءني فلان ثاني عطفه : إذا جاء متبخترا من الكبر .
ذكر من قال ذلك : حدثني
علي قال : ثنا
عبد الله قال : ثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس في قوله (
ثاني عطفه ) يقول : مستكبرا في نفسه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لاو رقبته .
ذكر من قال ذلك : حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد قوله (
ثاني عطفه ) قال : رقبته .
حدثنا
القاسم قال : ثنا
الحسين قال : ثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
مجاهد مثله .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور عن
معمر عن
قتادة (
ثاني عطفه ) قال : لاو عنقه .
حدثنا
الحسن قال : أخبرنا
عبد الرزاق عن
معمر عن
قتادة مثله .
وقال آخرون : معنى ذلك أنه يعرض عما يدعى إليه فلا يسمع له .
ذكر من قال ذلك : حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال :
[ ص: 574 ] ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
ثاني عطفه ) يقول : يعرض عن ذكري .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد (
ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله ) قال : لاويا رأسه ، معرضا موليا ، لا يريد أن يسمع ما قيل له ، وقرأ (
وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا ) .
حدثنا
القاسم قال : ثنا
الحسين قال : ثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
مجاهد قوله (
ثاني عطفه ) قال : يعرض عن الحق .
قال
أبو جعفر : وهذه الأقوال الثلاثة متقاربات المعنى ، وذلك أن من كان ذا استكبار فمن شأنه الإعراض عما هو مستكبر عنه ولي عنقه عنه والإعراض .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله وصف هذا المخاصم في الله بغير علم أنه من كبره إذا دعي إلى الله ، أعرض عن داعيه ، لوى عنقه عنه ولم يسمع ما يقال له استكبارا .
وقوله (
ليضل عن سبيل الله ) يقول تعالى ذكره : يجادل هذا المشرك في الله بغير علم معرضا عن الحق استكبارا ، ليصد المؤمنين بالله عن دينهم الذي هداهم له ويستزلهم عنه ، (
له في الدنيا خزي ) يقول جل ثناؤه : لهذا المجادل في الله بغير علم في الدنيا خزي ، وهو القتل والذل والمهانة بأيدي المؤمنين ، فقتله الله بأيديهم يوم بدر .
كما حدثنا
القاسم قال : ثنا
الحسين قال : ثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قوله (
في الدنيا خزي ) قال : قتل يوم
بدر .
وقوله (
ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ) يقول تعالى ذكره : ونحرقه يوم القيامة بالنار . وقوله (
ذلك بما قدمت يداك ) يقول جل ثناؤه : ويقال له إذا أذيق عذاب النار يوم القيامة : هذا العذاب الذي نذيقكه اليوم بما قدمت يداك في الدنيا من الذنوب والآثام ، واكتسبته فيها من الإجرام (
وأن الله ليس بظلام للعبيد ) يقول : وفعلنا ذلك لأن الله ليس بظلام للعبيد ، فيعاقب بعض
[ ص: 575 ] عبيده على جرم ، وهو يغفر مثله من آخر غيره ، أو يحمل ذنب مذنب على غير مذنب ، فيعاقبه به ويعفو عن صاحب الذنب ، ولكنه لا يعاقب أحدا إلا على جرمه ، ولا يعذب أحدا على ذنب يغفر مثله لآخر إلا بسبب استحق به منه مغفرته .