القول في تأويل قوله تعالى : (
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد ( 17 ) )
يقول تعالى ذكره : إن الفصل بين هؤلاء المنافقين الذين يعبدون الله على حرف ، والذين أشركوا بالله فعبدوا الأوثان والأصنام ، والذين هادوا ، وهم اليهود والصابئون
والنصارى والمجوس الذي عظموا النيران وخدموها ، وبين الذين آمنوا بالله ورسله إلى الله ، وسيفصل بينهم يوم القيامة بعدل من القضاء ، وفصله بينهم إدخاله النار الأحزاب كلهم والجنة المؤمنين به وبرسله ، فذلك هو الفصل من الله بينهم .
وكان
قتادة يقول في ذلك ما حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر عن
قتادة في قوله : (
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ) قال : الصابئون : قوم يعبدون الملائكة ، ويصلون للقبلة ، ويقرءون الزبور .
والمجوس : يعبدون الشمس والقمر
[ ص: 585 ] والنيران . والذين أشركوا : يعبدون الأوثان . والأديان ستة : خمسة للشيطان ، وواحد للرحمن . وأدخلت " إن " في خبر " إن " الأولى لما ذكرت من المعنى ، وأن الكلام بمعنى الجزاء ، كأنه قيل : من كان على دين من هذه الأديان ، ففصل ما بينه وبين من خالفه على الله ، والعرب تدخل أحيانا في خبر " إن " " إن " إذا كان خبر الاسم الأول في اسم مضاف إلى ذكره ، فتقول : إن عبد الله إن الخير عنده لكثير ، كما قال الشاعر .
إن الخليفة إن الله سربله سربال ملك به ترجى الخواتيم
وكان
الفراء يقول : من قال هذا لم يقل : إنك إنك قائم ، ولا إن إياك إنه قائم ، لأن الاسمين قد اختلفا ، فحسن رفض الأول ، وجعل الثاني كأنه هو المبتدأ ، فحسن للاختلاف وقبح للاتفاق .
وقوله : (
إن الله على كل شيء شهيد ) يقول : إن الله على كل شيء من أعمال هؤلاء الأصناف الذين ذكرهم الله جل ثناؤه ، وغير ذلك من الأشياء كلها شهيد لا يخفى عنه شيء من ذلك .