[ ص: 7 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل
قوله جل ثناؤه : ( قد أفلح المؤمنون ( 1 )
الذين هم في صلاتهم خاشعون ( 2 )
والذين هم عن اللغو معرضون ( 3 ) )
قال
أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : (
قد أفلح المؤمنون ) قد أدرك
الذين صدقوا الله ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، وأقروا بما جاءهم به من عند الله ، وعملوا بما دعاهم إليه مما سمى في هذه الآيات ، الخلود في جنات ربهم وفازوا بطلبتهم لديه .
كما حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
قد أفلح المؤمنون ) ثم قال : قال
كعب : لم يخلق الله بيده إلا ثلاثة : خلق
آدم بيده ، وكتب التوراة بيده ، وغرس جنة عدن بيده ، ثم قال لها : تكلمي! فقالت : (
قد أفلح المؤمنون ) لما علمت فيها من الكرامة .
حدثنا
سهل بن موسى الرازي ، قال : ثنا
يحيى بن الضريس ، عن
عمرو بن أبي قيس ، عن
عبد العزيز بن رفيع ، عن
مجاهد ، قال : لما غرس الله تبارك وتعالى الجنة ، نظر إليها فقال : (
قد أفلح المؤمنون ) .
قال : ثنا
حفص بن عمر ، عن
أبي خلدة ، عن
أبي العالية ، قال : لما خلق الله الجنة قال : (
قد أفلح المؤمنون ) فأنزل به قرآنا .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جبير ، عن
عطاء ، عن
ميسرة ، قال : " لم يخلق الله شيئا بيده غير أربعة أشياء : خلق
آدم بيده ، وكتب الألواح بيده ، والتوراة بيده ، وغرس عدنا بيده ، ثم قال : (
قد أفلح المؤمنون ) " .
وقوله : (
الذين هم في صلاتهم خاشعون ) يقول تعالى ذكره :
الذين هم في صلاتهم إذا قاموا فيها خاشعون ، وخشوعهم فيها تذللهم لله فيها بطاعته ، وقيامهم فيها بما أمرهم بالقيام به فيها . وقيل إنها نزلت من أجل أن القوم كانوا يرفعون أبصارهم فيها إلى السماء قبل نزولها ، فنهوا بهذه الآية عن ذلك .
[ ص: 8 ] ذكر الرواية بذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت
خالدا ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811687عن nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين ، قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى نظر إلى السماء ، فأنزلت هذه الآية : ( الذين هم في صلاتهم خاشعون ) قال : فجعل بعد ذلك وجهه حيث يسجد " .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
هارون بن المغيرة عن
أبي جعفر ، عن
الحجاج الصواف ، عن
ابن سيرين ، قال : " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم في الصلاة إلى السماء ، حتى نزلت : (
قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) فقالوا بعد ذلك برءوسهم هكذا " .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، قال : أخبرنا
أيوب ، nindex.php?page=hadith&LINKID=812430عن محمد ، قال : " نبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء ، فنزلت آية إن لم تكن ( الذين هم في صلاتهم خاشعون ) فلا أدري أية آية هي ، قال : فطأطأ . قال : وقال محمد : وكانوا يقولون : لا يجاوز بصره مصلاه ، فإن كان قد استعاد النظر فليغمض .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
هشيم ، عن
ابن عون ، عن
محمد نحوه .
واختلف أهل التأويل في الذي عنى به في هذا الموضع من الخشوع ، فقال بعضهم : عنى به سكون الأطراف في الصلاة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد : (
الذين هم في صلاتهم خاشعون ) قال : السكون فيها .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
الزهري : (
الذين هم في صلاتهم خاشعون ) قال : سكون المرء في صلاته .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
الزهري ، مثله .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، عن
الثوري ، عن
أبي سفيان الشيباني ، عن رجل ، عن
علي ، قال : سئل عن قوله : (
الذين هم في صلاتهم خاشعون ) قال : لا تلتفت في صلاتك .
حدثنا
عبد الجبار بن يحيى الرملي ، قال : قال
ضمرة بن ربيعة ، عن
أبي شوذب ، عن
الحسن ، في قوله : (
الذين هم في صلاتهم خاشعون ) قال : كان خشوعهم في قلوبهم ،
[ ص: 9 ] فغضوا بذلك البصر وخفضوا به الجناح .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
مغيرة ، عن
إبراهيم ، في قوله : ( خاشعون ) قال : الخشوع في القلب ، وقال : ساكنون .
قال : ثنا
الحسن ، قال : ثني
nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله ، عن
المسعودي ، عن
أبي سنان ، عن رجل من قومه ، عن
علي رضي الله عنه قال : الخشوع في القلب ، وأن تلين للمرء المسلم كنفك ، ولا تلتفت .
قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
عطاء بن أبي رباح ، في قوله : (
الذين هم في صلاتهم خاشعون ) قال : التخشع في الصلاة . وقال لي غير
عطاء :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811688كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة نظر عن يمينه ويساره ووجاهه ، حتى نزلت : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) فما رئي بعد ذلك ينظر إلا إلى الأرض .
وقال آخرون : عنى به الخوف في هذا الموضع .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
الحسن : (
الذين هم في صلاتهم خاشعون ) قال : خائفون .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، في قوله : (
الذين هم في صلاتهم خاشعون ) قال
الحسن : خائفون . وقال
قتادة : الخشوع في القلب .
حدثني
علي ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس في قوله : (
الذين هم في صلاتهم خاشعون ) يقول : خائفون ساكنون .
وقد بينا فيما مضى قبل من كتابنا أن الخشوع التذلل والخضوع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وإذ كان ذلك كذلك ، ولم يكن الله تعالى ذكره دل على أن مراده من ذلك معنى دون معنى في عقل ولا خبر ، كان معلوما أن معنى مراده من ذلك العموم . وإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام ما وصفت من قبل ، من أنه : والذين هم في صلاتهم متذللون لله بإدامة ما ألزمهم من فرضه وعبادته ، وإذا تذلل لله فيها العبد رؤيت ذلة خضوعه في سكون أطرافه وشغله بفرضه وتركه ما أمر بتركه فيها .
وقوله : (
والذين هم عن اللغو معرضون ) يقول تعالى ذكره : والذين هم عن
[ ص: 10 ] الباطل وما يكرهه الله من خلقه معرضون .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
والذين هم عن اللغو معرضون ) يقول : الباطل .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
الحسن : (
عن اللغو معرضون ) قال : عن المعاصي .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
الحسن ، مثله .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
والذين هم عن اللغو معرضون ) قال : النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن معه من صحابته ، ممن آمن به واتبعه وصدقه كانوا "
عن اللغو معرضون " .