القول في تأويل
قوله تعالى : ( ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون ( 49 )
وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ( 50 ) )
يقول تعالى ذكره : ولقد آتينا
موسى التوراة ليهتدي بها قومه من
بني إسرائيل ، ويعملوا بما فيها ، (
وجعلنا ابن مريم وأمه ) يقول : وجعلنا ابن مريم وأمه حجة لنا على من كان بينهم ، وعلى قدرتنا على إنشاء الأجسام من غير أصل ، كما أنشأنا خلق
عيسى من غير أب .
كما حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرازق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
وجعلنا ابن مريم وأمه ) قال : ولدته من غير أب هو له ، ولذلك وحدت الآية ، وقد ذكر
مريم وابنها .
وقوله (
وآويناهما إلى ربوة ) يقول : وضممناهما وصيرناهما إلى ربوة ، يقال : أوى فلان إلى موضع كذا ، فهو يأوي إليه ، إذا صار إليه ; وعلى مثال أفعلته فهو يئويه . وقوله (
إلى ربوة ) يعني : إلى مكان مرتفع من الأرض على ما حوله ، ولذلك قيل للرجل ، يكون في رفعة من قومه ، وعز وشرف وعدد : هو في ربوة من قومه ، وفيها لغتان : ضم الراء وكسرها إذا أريد بها الاسم ، وإذا أريد بها الفعلة من المصدر قيل :
[ ص: 37 ] ربا ربوة .
واختلف أهل التأويل في المكان الذي وصفه الله بهذه الصفة ، وآوى إليه
مريم وابنها ، فقال بعضهم : هو
الرملة من
فلسطين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال : ثنا
صفوان بن عيسى ، قال : ثنا
بشر بن رافع ، قال : ثني ابن عم
nindex.php?page=showalam&ids=3لأبي هريرة ، يقال له :
أبو عبد الله ، قال : قال لنا
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : الزموا هذه
الرملة من
فلسطين ، فإنها الربوة التي قال الله : (
وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) .
حدثني
عصام بن رواد بن الجراح ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا
عباد أبو عتبة الخواص ، قال : ثنا
يحيى بن أبي عمرو الشيباني ، عن
ابن وعلة ، عن
كريب قال : ما أدري ما حدثنا
مرة البهزي ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر أن الربوة : هي الرملة .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، عن
بشر بن رافع ، عن
أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يقول في قول الله : (
إلى ربوة ذات قرار ومعين ) قال : هي
الرملة من
فلسطين .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
صفوان ، قال : ثنا
بشر بن رافع ، قال : ثني
أبو عبد الله ابن عم أبي هريرة ، قال : قال لنا
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : الزموا هذه
الرملة التي
بفلسطين ، فإنها الربوة التي قال الله : (
وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) .
وقال آخرون : هي
دمشق .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أحمد بن الوليد القرشي ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أنه قال في هذه الآية : (
وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) قال : زعموا أنها
دمشق .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، قال : بلغني ، عن
ابن المسيب أنه قال :
دمشق .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، مثله .
[ ص: 38 ] حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17324يحيى بن عثمان بن صالح السهمي ، قال : ثنا
ابن بكير ، قال : ثنا
الليث بن سعد ، قال : ثني
nindex.php?page=showalam&ids=16457عبد الله بن لهيعة ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب في قوله : (
وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) قال : إلى ربوة من ربا
مصر قال : وليس الربا إلا في
مصر ، والماء حين يرسل تكون الربا عليها القرى ، لولا الربا لغرقت تلك القرى .
وقال آخرون : هي
بيت المقدس .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، قال : هو
بيت المقدس .
قال ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قال : كان
كعب يقول :
بيت المقدس أقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلا .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
كعب ، مثله .
وأولى هذه الأقوال بتأويل ذلك : أنها مكان مرتفع ذو استواء ، وماء ظاهر ، وليس كذلك صفة
الرملة ; لأن
الرملة لا ماء بها معين ، والله تعالى ذكره وصف هذه الربوة بأنها ذات قرار ومعين .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وآويناهما إلى ربوة ) قال : الربوة : المستوية .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
إلى ربوة ) قال : مستوية .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
وقوله : (
ذات قرار ومعين ) يقول تعالى ذكره : من
صفة الربوة التي آوينا إليها مريم وابنها عيسى ، أنها أرض منبسطة وساحة ، وذات ماء ظاهر ، لغير الباطن ، جار .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن
[ ص: 39 ] أبيه ، عن
ابن عباس : ( ومعين ) قال : المعين : الماء الجاري ، وهو النهر الذي قال الله : (
قد جعل ربك تحتك سريا ) .
حدثني
محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا
إسرائيل ، عن
أبي يحيى ، عن
مجاهد ، في قوله : (
ذات قرار ومعين ) قال : المعين : الماء .
حدثني
محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : معين ، قال : ماء .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثني
سليمان بن عبد الجبار ، قال : ثنا
محمد بن الصلت ، قال : ثنا
شريك ، عن
سالم ، عن
سعيد ، في قوله : (
ذات قرار ومعين ) قال : المكان المستوي ، والمعين : الماء الظاهر .
حدثت عن
الحسين بن الفرج ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : ( ومعين ) : هو الماء الظاهر .
وقال آخرون : عنى بالقرار الثمار .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
ذات قرار ومعين ) هي ذات ثمار ، وهي
بيت المقدس .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، مثله .
قال
أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله
قتادة في معنى : (
ذات قرار ) وإن لم يكن أراد بقوله : إنها إنما وصفت بأنها ذات قرار لما فيها من الثمار ، ومن أجل ذلك ، يستقر فيها ساكنوها ، فلا وجه له نعرفه . وأما ( معين ) فإنه مفعول من عنته فأنا أعينه ، وهو معين ، وقد يجوز أن يكون فعيلا من معن يمعن فهو معين من الماعون ، ومنه قول
عبيد بن الأبرص :
واهية أو معين ممعن أو هضبة دونها لهوب
[ ص: 40 ]