القول في تأويل
قوله تعالى : ( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ( 52 ) )
اختلفت القراء في قراءة قوله : (
وإن هذه أمتكم أمة واحدة ) ، فقرأ ذلك عامة قراء
أهل المدينة والبصرة ( وأن ) بالفتح ، بمعنى : إني بما تعملون عليم ، وأن هذه أمتكم أمة واحدة ، فعلى هذا التأويل ( أن ) في موضع خفض ، عطف بها على ( ما ) من قوله : ( بما تعملون ) ، وقد يحتمل أن تكون في موضع نصب إذا قرئ ذلك كذلك . ويكون
[ ص: 41 ] معنى الكلام حينئذ : واعلموا أن هذه ، ويكون نصبها بفعل مضمر . وقرأ ذلك عامة
قراء الكوفيين بالكسر : ( وإن ) هذه على الاستئناف ، والكسر في ذلك عندي على الابتداء هو الصواب ; لأن الخبر من الله عن قيله
لعيسى : (
يا أيها الرسل ) مبتدأ ، فقوله : ( وإن هذه ) مردود عليه عطفا به عليه ، فكان معنى الكلام : وقلنا
لعيسى : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ، وقلنا : وإن هذه أمتكم أمة واحدة . وقيل : إن الأمة الذي في هذا الموضع : الدين والملة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، في قوله : (
وإن هذه أمتكم أمة واحدة ) قال : الملة والدين .
وقوله : (
وأنا ربكم فاتقون ) يقول : وأنا مولاكم فاتقون بطاعتي تأمنوا عقابي ، ونصبت أمة واحدة على الحال . وذكر عن بعضهم أنه قرأ ذلك رفعا . وكان بعض نحويي
البصرة يقول : رفع ذلك إذا رفع على الخبر ، ويجعل أمتكم نصبا على البدل من هذه . وأما نحويو
الكوفة فيأبون ذلك إلا في ضرورة شعر ، وقالوا : لا يقال : مررت بهذا غلامكم ; لأن هذا لا تتبعه إلا الألف واللام والأجناس ، لأن " هذا " إشارة إلى عدد ، فالحاجة في ذلك إلى تبيين المراد من المشار إليه أي الأجناس هو ، وقالوا : وإذا قيل :
هذه أمتكم أمة واحدة والأمة غائبة ، وهذه حاضرة ، قالوا : فغير جائز أن يبين عن الحاضر بالغائب ، قالوا : فلذلك لم يجز : إن هذا زيد قائم ، من أجل أن هذا محتاج إلى الجنس لا إلى المعرفة .