القول في تأويل
قوله تعالى : ( قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون ( 66 )
مستكبرين به سامرا تهجرون ( 67 ) )
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من
قريش : لا تضجوا اليوم وقد نزل بكم سخط الله وعذابه ، بما كسبت أيديكم واستوجبتموه بكفركم بآيات ربكم . (
قد كانت آياتي تتلى عليكم ) يعني : آيات كتاب الله ، يقول : كانت آيات كتابي تقرأ عليكم
[ ص: 52 ] فتكذبون بها وترجعون مولين عنها إذا سمعتموها ، كراهية منكم لسماعها . وكذلك يقال لكل من رجع من حيث جاء : نكص فلان على عقبه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد (
فكنتم على أعقابكم تنكصون ) قال : تستأخرون .
حدثني
علي ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
فكنتم على أعقابكم تنكصون ) يقول : تدبرون .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون ) يعني
أهل مكة .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن . قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله : ( تنكصون ) قال : تستأخرون .
وقوله : (
مستكبرين به ) يقول : مستكبرين بحرم الله ، يقولون : لا يظهر علينا فيه أحد ، لأنا
أهل الحرم .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
مستكبرين به ) يقول : مستكبرين بحرم البيت أنه لا يظهر علينا فيه أحد .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله : (
مستكبرين به ) قال :
بمكة البلد .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، نحوه .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
هوذة ، قال : ثنا
عوف ، عن
الحسن : (
مستكبرين به )
[ ص: 53 ] قال : مستكبرين بحرمي .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
يحيى ، عن
سفيان ، عن
حصين ، عن
سعيد بن جبير ، في قوله : (
مستكبرين به ) بالحرم .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
مستكبرين به ) قال : مستكبرين بالحرم .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
قتادة ، مثله .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
مستكبرين به ) قال :
بالحرم .
وقوله : ( سامرا ) يقول : تسمرون بالليل . ووحد قوله : ( سامرا ) وهو بمعنى السمار ; لأنه وضع موضع الوقت . ومعنى الكلام : وتهجرون ليلا فوضع السامر موضع الليل ، فوحد لذلك . وقد كان بعض البصريين يقول : وحد ومعناه الجمع ، كما قيل : طفل في موضع أطفال . ومما يبين عن صحة ما قلنا في أنه وضع موضع الوقت فوحد لذلك ، قول الشاعر .
من دونهم إن جئتهم سمرا عزف القيان ومجلس غمر
فقال : سمرا ; لأن معناه : إن جئتهم ليلا وهم يسمرون ، وكذلك قوله : ( سامرا ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : ( سامرا ) يقول : يسمرون حول البيت .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : ( سامرا ) قال : مجلسا بالليل .
[ ص: 54 ] حدثني
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : ( سامرا ) قال : مجالس .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
يحيى ، قال : ثنا
سفيان ، عن
حصين ، عن
سعيد بن جبير : ( سامرا ) قال : تسمرون بالليل .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : ( سامرا ) قال : كانوا يسمرون ليلتهم ويلعبون : يتكلمون بالشعر والكهانة وبما لا يدرون .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : ( سامرا ) قال : يعني سمر الليل .
وقال بعضهم في ذلك ما حدثنا به
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : ( سامرا ) يقول : سامرا من
أهل الحرم آمنا لا يخاف ، كانوا يقولون : نحن
أهل الحرم ، لا يخافون .
حدثنا
الحسن ، قال ، أخبرنا
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
قتادة : ( سامرا ) يقول : سامرا من
أهل مكة آمنا لا يخاف ، قال : كانوا يقولون : نحن
أهل الحرم لا نخاف .
وقوله : ( تهجرون ) اختلفت القراء في قراءته ، فقرأته عامة قراء الأمصار : ( تهجرون ) بفتح التاء وضم الجيم . ولقراءة من قرأ ذلك كذلك وجهان من المعنى : أحدهما أن يكون عنى أنه وصفهم بالإعراض عن القرآن أو البيت ، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضه . والآخر : أن يكون عنى أنهم يقولون شيئا من القول كما يهجر الرجل في منامه ، وذلك إذا هذى ; فكأنه وصفهم بأنهم يقولون في القرآن ما لا معنى له من القول ، وذلك أن يقولوا فيه باطلا من القول الذي لا يضره . وقد جاء بكلا القولين التأويل من أهل التأويل .
ذكر من قال : كانوا يعرضون عن ذكر الله والحق ويهجرونه :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : ( تهجرون ) قال : يهجرون ذكر الله والحق .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
عبد الصمد ، قال : ثنا
شعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي صالح ، في قوله : (
سامرا تهجرون ) قال : السب .
ذكر من قال : كانوا يقولون الباطل والسيئ من القول في القرآن .
[ ص: 55 ] حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
يحيى ، قال : ثنا
سفيان ، عن
حصين ، عن
سعيد بن جبير : ( تهجرون ) قال : يهجرون في الباطل .
قال : ثنا
يحيى ، عن
سفيان ، عن
حصين ، عن
سعيد بن جبير : (
سامرا تهجرون ) قال : يسمرون بالليل يخوضون في الباطل .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : ( تهجرون ) قال : بالقول السيئ في القرآن .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : ( تهجرون ) قال : الهذيان ; الذي يتكلم بما لا يريد ، ولا يعقل كالمريض الذي يتكلم بما لا يدري . قال : كان
أبي يقرؤها : ( سامرا تهجرون ) . وقرأ ذلك آخرون : ( سامرا تهجرون ) بضم التاء وكسر الجيم . وممن قرأ ذلك كذلك من قراء الأمصار :
نافع بن أبي نعيم ، بمعنى : يفحشون في المنطق ، ويقولون الخنا ، من قولهم : أهجر الرجل : إذا أفحش في القول . وذكر أنهم كانوا يسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس : ( تهجرون ) قال : تقولون هجرا .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، قال : ثنا
عبد المؤمن ، عن
أبي نهيك ، عن
عكرمة ، أنه قرأ : ( سامرا تهجرون ) : أي تسبون .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
هوذة ، قال : ثنا
عون ، عن
الحسن ، في قوله : ( سامرا تهجرون ) رسولي .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، قال : قال
الحسن : ( تهجرون ) رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
قتادة : ( تهجرون ) يقول : يقولون سوءا .
[ ص: 56 ] حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، قال : قال
الحسن : ( تهجرون ) كتاب الله ورسوله .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : ( تهجرون ) يقول : يقولون المنكر والخنا من القول ، كذلك هجر القول .
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا القراءة التي عليها قراء الأمصار ، وهي فتح التاء وضم الجيم ، لإجماع الحجة من القراء .