القول في تأويل
قوله تعالى : ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ( 5 ) )
اختلف أهل التأويل في الذي استثني منه قوله : (
إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا ) فقال بعضهم : استثني من قوله : (
ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) وقالوا : إذا تاب القاذف قبلت شهادته وزال عنه اسم الفسق ، حد فيه أو لم يحد .
[ ص: 103 ] ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أحمد بن حماد الدولابي ، قال : ثني
سفيان ، عن
الزهري ، عن
سعيد إن شاء الله ، أن
عمر قال
لأبي بكرة : إن تبت قبلت شهادتك ، أو رديت شهادتك .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ضرب
أبا بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحارث بن كلدة حدهم . وقال لهم : من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما استقبل ، ومن لم يفعل لم أجز شهادته ، فأكذب
شبل نفسه
ونافع ، وأبى
أبو بكرة أن يفعل . قال
الزهري : هو والله سنة ، فاحفظوه .
حدثنا
ابن أبي الشوارب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع ، قال : ثنا
داود ، عن
الشعبي ، قال : إذا تاب ، يعني : القاذف ، ولم يعلم منه إلا خير ، جازت شهادته .
حدثنا
عمران بن موسى ، قال : ثنا
عبد الوارث ، قال : ثنا
داود ، عن
الشعبي ، قال : على الإمام أن يستتيب القاذف بعد الجلد ، فإن تاب وأونس منه خير جازت شهادته ، وإن لم يتب فهو خليع لا تجوز شهادته .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
عبد الوارث ، قال : ثنا
داود ، عن
عامر ، أنه قال في القاذف : إذا تاب وعلم منه خير ، إن شهادته جائزة ، وإن لم يتب فهو خليع لا تجوز شهادته ، وتوبته إكذابه نفسه .
قال : ثنا
ابن أبي عدي ، عن
داود ، عن
الشعبي ، نحوه .
حدثنا
أبو كريب وأبو السائب ، قالا ثنا
ابن إدريس ، قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
الشعبي ، قال في القاذف : إذا تاب وأكذب نفسه ، قبلت شهادته ، وإلا كان خليعا لا شهادة له ; لأن الله يقول : (
لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء ) . . إلى آخر الآية .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
الشعبي أنه كان يقول في شهادة القاذف : إذا رجع عن قوله حين يضرب ، أو أكذب نفسه ، قبلت شهادته .
قال : ثنا
هشيم ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
الشعبي أنه كان يقول : يقبل الله توبته ، وتردون شهادته ; وكان يقبل شهادته إذا تاب .
قال : أخبرنا
إسماعيل عن
الشعبي أنه كان يقول في القاذف : إذا شهد قبل أن يضرب
[ ص: 104 ] الحد ، قبلت شهادته .
قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
عبيدة ، عن
إبراهيم وإسماعيل بن سالم ، عن
الشعبي ، أنهما قالا في القاذف : إذا شهد قبل أن يجلد فشهادته جائزة .
حدثني
يعقوب ، قال : قال
أبو بشر ، يعني
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، سمعت
ابن أبي نجيح يقول : القاذف إذا تاب تجوز شهادته ، وقال : كنا نقوله . فقيل له : من؟ قال : قال
عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ومجاهد .
حدثنا
ابن بشار ، وابن المثنى ، قالا ثنا
محمد بن خالد بن عثمة ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15991سعيد بن بشير ، عن
قتادة ، عن
عمر بن طلحة ، عن
عبد الله ، قال : إذا تاب القاذف جلد ، وجازت شهادته . قال
أبو موسى : هكذا قال
ابن أبي عثمة .
حدثنا
ابن بشار وابن المثنى ، قالا ثنا
ابن أبي عثمة ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15991سعيد بن بشير ، عن
قتادة ، عن
سليمان بن يسار nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي قالا إذا تاب القاذف عند الجلد جازت شهادته .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الأعلى ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة أن
عمر بن عبد الله بن أبي طلحة جلد رجلا في قذف ، فقال : أكذب نفسك حتى تجوز شهادتك .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
أبي الهيثم ، قال : سمعت
إبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي يتذاكران شهادة القاذف ، فقال
الشعبي لإبراهيم : لم لا تقبل شهادته؟ فقال : لأني لا أدري تاب أم لا .
قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك ، عن
مجالد ، عن
الشعبي ، عن
مسروق ، قال : تقبل شهادته إذا تاب .
قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك ، عن
يعقوب بن القعقاع ، عن
محمد بن زيد ، عن
سعيد بن جبير ، مثله .
قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عمران بن موسى ، قال : شهدت
عمر بن عبد العزيز أجاز شهادة القاذف ومعه رجل .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
الحكم ، قال : قال
الشعبي : إذا تاب جازت شهادته ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى . قال : عندي ، يعني في القذف .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
ابن إدريس ، قال : أخبرنا
مسعر ، عن
عمران بن عمير : أن
عبد الله بن عتبة كان يجيز شهادة القاذف إذا تاب .
[ ص: 105 ] حدثني
يعقوب ، قال : ثني
هشيم ، عن
جويبر ، عن
الضحاك ، قال : إذا تاب وأصلح قبلت شهادته ، يعني القاذف .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، عن
ابن المسيب ، قال : تقبل شهادة القاذف إذا تاب .
حدثنا
الحسن ، قال : ثنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، عن
ابن المسيب ، مثله .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد ، عن
معمر ، قال : قال
الزهري : إذا حد القاذف ، فإنه ينبغي للإمام أن يستتيبه ، فإن تاب قبلت شهادته ، وإلا لم تقبل ، قال : كذلك فعل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب بالذين شهدوا على
المغيرة بن شعبة ، فتابوا إلا
أبا بكرة ، فكان لا تقبل شهادته .
وقال آخرون : الاستثناء في ذلك من قوله : (
وأولئك هم الفاسقون ) .
وأما قوله : (
ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) فقد وصل بالأبد ولا يجوز قبولها أبدا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن أبي الشوارب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع ، قال : ثنا
أشعث بن سوار ، قال : ثني
الشعبي ، قال : كان
شريح يجيز شهادة صاحب كل عمل إذا تاب إلا القاذف ، فإن توبته فيما بينه وبين ربه ، ولا نجيز شهادته .
حدثنا
حميد بن مسعدة ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
أشعث بن سوار ، قال : ثنا
الشعبي ، عن
شريح بنحوه ، غير أنه قال : صاحب كل حد إذا كان عدلا يوم شهد .
حدثني
أبو السائب ، قال : ثنا
أبو معاوية عن
الأعمش . عن
إبراهيم ، عن
شريح ، قال : كان لا يجيز شهادة القاذف ، ويقول : توبته فيما بينه وبين ربه .
حدثنا
أبو كريب وأبو السائب ، قالا ثنا
ابن إدريس ، عن
مطرف ، عن
أبي عثمان ، عن
شريح في القاذف : يقبل الله توبته ، ولا أقبل شهادته .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
ابن إدريس ، قال : أخبرنا
أشعث ، عن
الشعبي ، قال : أتاه خصمان ، فجاء أحدهما بشاهد أقطع ، فقال الخصم : ألا ترى ما به؟ قال : قد أراه . قال : فسأل القوم ، فأثنوا عليه خيرا ، فقال
شريح : نجيز شهادة كل صاحب حد ، إذا كان يوم شهد عدلا إلا القاذف ، فإن توبته فيما بينه وبين ربه .
[ ص: 106 ] حدثنا
أبو السائب ، قال : ثنا
ابن إدريس ، قال : أخبرنا
أشعث ، عن
الشعبي ، قال : جاء خصمان إلى
شريح ، فجاء أحدهما ببينة ، فجاء بشاهد أقطع ، فقال الخصم : ألا ترى إلى ما به؟ فقال
شريح : قد رأيناه ، وقد سألنا القوم فأثنوا خيرا ، ثم ذكر سائر الحديث ، نحو حديث
أبي كريب .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
الشيباني ، عن
الشعبي ، عن
شريح أنه كان يقول : لا تقبل له شهادة أبدا ، توبته فيما بينه وبين ربه ، يعني القاذف .
قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
الأشعث ، عن
الشعبي ، بأن
ربابا قطع رجلا في قطع الطريق ، قال : فقطع يده ورجله . قال : ثم تاب وأصلح ، فشهد عند
شريح ، فأجاز شهادته ، قال : فقال المشهود عليه : أتجيز شهادته علي وهو أقطع؟ قال : فقال
شريح : كل صاحب حد إذا أقيم عليه ثم تاب وأصلح ; فشهادته جائزة إلا القاذف .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
أبو الوليد ، قال : ثنا
شعبة ، قال : أخبرني
المغيرة : ، قال : سمعت
إبراهيم يحدث عن
شريح ، قال : قضاء من الله لا تقبل شهادته أبدا ، توبته فيما بينه وبين ربه ، قال
أبو موسى : يعني القاذف .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
مغيرة ، عن
إبراهيم ، قال : قال
شريح : لا يقبل الله شهادته أبدا .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
أبو الوليد ، قال : ثنا
حماد ، عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، قال : لا تجوز شهادة القاذف ، توبته فيما بينه وبين الله .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، عن
الحسن ، أنه قال : القاذف توبته فيما بينه وبين الله ، وشهادته لا تقبل .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
أبو الوليد ، قال : ثنا
حماد ، عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، قال : لا تجوز شهادة القاذف ، توبته فيما بينه وبين الله .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الأعلى ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، عن
الحسن ، أنه قال : القاذف توبته فيما بينه وبين الله ، وشهادته لا تقبل .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
الحكم ، عن
إبراهيم أنه قال في الرجل يجلد الحد ، قال : لا تجوز شهادته أبدا .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
مغيرة ، عن
إبراهيم : أنه كان لا يقبل
[ ص: 107 ] له شهادة أبدا ، وتوبته فيما بينه وبين الله ، يعني القاذف .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
معتمر بن سليمان ، عن
حجاج ، عن
عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810842لا تجوز شهادة محدود في الإسلام " .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
الحسن : (
ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) قال : كان يقول : لا تقبل شهادة القاذف أبدا ، إنما توبته فيما بينه وبين الله . وكان
شريح يقول : لا تقبل شهادته .
حدثني
علي ، قال : ثنا
عبد الله ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) ثم قال : فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل .
والصواب من القول في ذلك عندنا : أن الاستثناء من المعنيين جميعا ، أعني من قوله : (
ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) ومن قوله : ( وأولئك هم الفاسقون ) وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أن ذلك كذلك ، إذا لم يحد في القذف حتى تاب ، إما بأن يرفع إلى السلطان بعفو المقذوفة عنه ، وإما بأن ماتت قبل المطالبة بحدها ، ولم يكن لها طالب يطلب بحدها ، فإذ كان ذلك كذلك وحدثت منه توبة صحت له بها العدالة .
فإذ كان من الجميع إجماعا ، ولم يكن الله تعالى ذكره شرط في كتابه أن لا تقبل شهادته أبدا بعد الحد في رميه ، بل نهى عن قبول شهادته في الحال التي أوجب عليه فيها الحد ، وسماه فيها فاسقا ، كان معلوما بذلك أن إقامة الحد عليه في رميه ، لا تحدث في شهادته مع التوبة من ذنبه ما لم يكن حادثا فيها قبل إقامته عليه ، بل توبته بعد إقامة الحد عليه من ذنبه أحرى أن تكون شهادته معها أجوز منها قبل إقامته عليه ; لأن الحد يزيد المحدود عليه تطهيرا من جرمه الذي استحق عليه الحد .
فإن قال قائل : فهل يجوز أن يكون الاستثناء من قوله : (
فاجلدوهم ثمانين جلدة ) فتكون التوبة مسقطة عنه الحد ، كما كانت لشهادته عندك قبل الحد وبعده مجيزة ، ولاسم الفسق عنه مزيلة؟ قيل : ذلك غير جائز عندنا ، وذلك أن الحد حق عندنا للمقذوفة ، كالقصاص الذي يجب لها من جناية يجنيها عليها مما فيه القصاص ، ولا خلاف بين الجميع أن توبته من ذلك لا تضع عنه الواجب لها من القصاص منه ، فكذلك توبته من القذف لا تضع عنه الواجب لها من الحد ، لأن ذلك حق لها ، إن شاءت عفته ،
[ ص: 108 ] وإن شاءت طالبت به ، فتوبة العبد من ذنبه إنما تضع عن العبد الأسماء الذميمة ، والصفات القبيحة ، فأما حقوق الآدميين التي أوجبها الله لبعضهم على بعض في كل الأحوال فلا تزول بها ولا تبطل .
واختلف أهل العلم في صفة توبة القاذف التي تقبل معها شهادته ، فقال بعضهم : هو إكذابه نفسه فيه . وقد ذكرنا بعض قائلي ذلك فيما مضى قبل ، ونحن نذكر بعض ما حضرنا ذكره مما لم نذكره قبل .
حدثني
أبو السائب ، قال : ثنا
حفص ، عن
ليث ، عن
طاوس ، قال : توبة القاذف أن يكذب نفسه .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
حصين ، قال : رأيت رجلا ضرب حدا في قذف
بالمدينة ، فلما فرغ من ضربه تناول ثوبه ، ثم قال : أستغفر الله وأتوب إليه من قذف المحصنات ، قال : فلقيت
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبا الزناد ، فذكرت ذلك له ، قال : فقال : إن الأمر عندنا هاهنا أنه إذا قال ذلك حين يفرغ من ضربه ، ولم نعلم منه إلا خيرا قبلت شهادته .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا ) . . الآية ، قال : من اعترف وأقر على نفسه علانية أنه قال البهتان ، وتاب إلى الله توبة نصوحا ، والنصوح : أن لا يعودوا ، وإقراره واعترافه عند الحد حين يؤخذ بالجلد ، فقد تاب ، والله غفور رحيم .
وقال آخرون : توبته من ذلك صلاح حاله ، وندمه على ما فرط منه من ذلك ، والاستغفار منه ، وتركه العود في مثل ذلك من الجرم ، وذلك قول جماعة من التابعين وغيرهم ، وقد ذكرنا بعض قائليه فيما مضى ، وهو قول
مالك بن أنس .
وهذا القول أولى القولين في ذلك بالصواب ; لأن الله تعالى ذكره جعل توبة كل ذي ذنب من أهل الإيمان تركه العود منه ، والندم على ما سلف منه ، واستغفار ربه منه ، فيما كان من ذنب بين العبد وبينه ، دون ما كان من حقوق عباده ومظالمهم بينهم ، والقاذف إذا أقيم عليه فيه الحد ، أو عفي عنه ، فلم يبق عليه إلا توبته من جرمه بينه وبين ربه ،
[ ص: 109 ] فسبيل توبته منه سبيل توبته من سائر أجرامه ، فإذا كان الصحيح في ذلك من القول ما وصفنا ، فتأويل الكلام : وأولئك هم الفاسقون ، إلا الذين تابوا من جرمهم الذي اجترموه بقذفهم المحصنات من بعد اجترامهموه ( فإن الله غفور رحيم ) يقول : ساتر على ذنوبهم بعفوه لهم عنها ، رحيم بهم بعد التوبة أن يعذبهم عليها ، فاقبلوا شهادتهم ولا تسموهم فسقة ، بل سموهم بأسمائهم التي هي لهم في حال توبتهم .