القول في تأويل قوله تعالى : (
ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا )
قال
أبو جعفر : وقد صرح هذا القول من قول الله جل ثناؤه ، بأن خطابه بجميع هذه الآيات من قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا ) - وإن صرف في نفسه الكلام إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما هو خطاب منه للمؤمنين من أصحابه ، وعتاب منه لهم ، ونهي عن انتصاح
اليهود ونظرائهم من أهل الشرك وقبول آرائهم في شيء من أمور دينهم - ودليل على أنهم كانوا استعملوا أو من استعمل منهم في خطابه ومسألته رسول الله صلى الله عليه وسلم الجفاء ، وما لم يكن له استعماله معه ، تأسيا
باليهود في ذلك أو ببعضهم . فقال لهم ربهم ناهيا عن استعمال ذلك : لا تقولوا لنبيكم صلى الله عليه وسلم كما تقول له
اليهود : "راعنا" ، تأسيا منكم بهم ، ولكن قولوا : "انظرنا واسمعوا"؛ فإن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر بي ، وجحود لحقي الواجب لي عليكم في تعظيمه وتوقيره ، ولمن كفر بي عذاب أليم; فإن
اليهود والمشركين ما يودون أن ينزل عليكم
[ ص: 499 ] من خير من ربكم ، ولكن كثيرا منهم ودوا أنهم يردونكم من بعد إيمانكم كفارا ، حسدا من عند أنفسهم لكم ولنبيكم
محمد صلى الله عليه وسلم ، من بعد ما تبين لهم الحق في أمر
محمد ، وأنه نبي إليهم وإلى خلقي كافة .
وقد قيل إن الله - جل ثناؤه - عنى بقوله : ( ود كثير من أهل الكتاب ) ،
كعب بن الأشرف .
1786 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
الزهري في قوله : ( ود كثير من أهل الكتاب ) ، هو
كعب بن الأشرف .
1787 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
أبو سفيان العمري ، عن
معمر ، عن
الزهري وقتادة : ( ود كثير من أهل الكتاب ) ، قال :
كعب بن الأشرف .
وقال بعضهم بما : -
1788 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة قال : حدثني
ابن إسحاق - وحدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير قال : حدثنا
محمد بن إسحاق قال : حدثني
محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني
سعيد بن جبير ، أو
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : كان
حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسدا ، إذ خصهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم ، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا ، فأنزل الله فيهما : (
ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم ) الآية .
قال
أبو جعفر : وليس لقول القائل : عنى بقوله : ( ود كثير من أهل الكتاب )
[ ص: 500 ] كعب بن الأشرف ، معنى مفهوم؛ لأن
كعب بن الأشرف واحد ، وقد أخبر الله - جل ثناؤه - أن كثيرا منهم يودون لو يردون المؤمنين كفارا بعد إيمانهم ، والواحد لا يقال له : "كثير" ، بمعنى الكثرة في العدد ، إلا أن يكون قائل ذلك أراد بوجه الكثرة التي وصف الله بها من وصفه بها في هذه الآية ، الكثرة في العز ورفعة المنزلة في قومه وعشيرته ، كما يقال : "فلان في الناس كثير" ، يراد به كثرة المنزلة والقدر . فإن كان أراد ذلك فقد أخطأ ، لأن الله جل ثناؤه قد وصفهم بصفة الجماعة فقال : (
لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا ) ، فذلك دليل على أنه عنى الكثرة في العدد أو يكون ظن أنه من الكلام الذي يخرج مخرج الخبر عن الجماعة ، والمقصود بالخبر عنه الواحد ، نظير ما قلنا آنفا في بيت جميل ، فيكون ذلك أيضا خطأ؛ وذلك أن الكلام إذا كان بذلك المعنى ، فلا بد من دلالة فيه تدل على أن ذلك معناه ، ولا دلالة تدل في قوله : ( ود كثير من أهل الكتاب ) أن المراد به واحد دون جماعة كثيرة ، فيجوز صرف تأويل الآية إلى ذلك ، وإحالة دليل ظاهره إلى غير الغالب في الاستعمال .