القول في تأويل
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون ( 27 ) )
اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : تأويله يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأذنوا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
هشيم ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، أنه كان يقرأ : " لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها " قال : وإنما " تستأنسوا " وهم من الكتاب .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس في هذه الآية (
لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) وقال : إنما هي خطأ من الكاتب حتى تستأذنوا وتسلموا .
[ ص: 146 ] حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17282وهب بن جرير ، قال : ثنا
شعبة ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير ، بمثله . غير أنه قال : إنما هي حتى تستأذنوا ، ولكنها سقط من الكاتب .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
ابن عطية ، قال : ثنا
معاذ بن سليمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11937جعفر بن إياس ، عن
سعيد ، عن
ابن عباس (
حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) قال : أخطأ الكاتب ، وكان
ابن عباس يقرأ " حتى تستأذنوا وتسلموا " وكان يقرؤها على قراءة
أبي بن كعب .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
أبو عامر ، قال : ثنا
سفيان ، عن
الأعمش أنه كان يقرؤها : " حتى تستأذنوا وتسلموا " قال
سفيان : وبلغني أن
ابن عباس كان يقرؤها : " حتى تستأذنوا وتسلموا " وقال : إنها خطأ من الكاتب .
حدثنا
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) قال : الاستئناس : الاستئذان .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
هشيم ، قال : أخبرنا
مغيرة ، عن
إبراهيم ، قال : في مصحف
ابن مسعود : " حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا " .
قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=11937جعفر بن إياس ، عن
سعيد ، عن
ابن عباس أنه كان يقرؤها : " يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا " قال : وإنما تستأنسوا وهم من الكتاب .
قال : ثنا
هشيم ، قال
مغيرة ، قال
مجاهد : جاء
ابن عمر من حاجة وقد آذاه الرمضاء ، فأتى فسطاط امرأة من
قريش ، فقال : السلام عليكم ، أدخل؟ فقالت : ادخل بسلام ، فأعاد فأعادت ، وهو يراوح بين قدميه ، قال : قولي ادخل ، قالت : ادخل فدخل .
قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
منصور ، عن
ابن سيرين ، وأخبرنا
يونس بن عبيد ، عن عمرو بن سعيد الثقفي ، أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ألج أو أنلج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة : " قومي إلى هذا فكلميه ، فإنه لا يحسن يستأذن ، فقولي له يقول : السلام عليكم ، أدخل؟ " فسمعها الرجل ، فقالها ، فقال : " ادخل " .
[ ص: 147 ] حدثنا
الحسين ، قال : ثنا
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
ابن عباس ، قوله : (
حتى تستأنسوا ) قال : الاستئذان ، ثم نسخ واستثني : (
ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة ) .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، قال : ثنا
أبو حمزة ، عن
المغيرة ، عن
إبراهيم ، قوله : (
لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ) قال : حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة : (
حتى تستأنسوا ) قال : حتى تستأذنوا وتسلموا .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
أشعث بن سوار ، عن
كردوس ، عن
ابن مسعود ، قال : عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخواتكم ، قال
أشعت ، عن عدي بن ثابت : أن امرأة من الأنصار ، قالت : يا رسول الله ، إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها ، والد ولا ولد ، وأنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي ، وأنا على تلك الحال؟ قال : فنزلت : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) . الآية .
وقال آخرون : معنى ذلك : حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح والتنخم وما أشبهه ، حتى يعلموا أنكم تريدون الدخول عليهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
حكام ، عن
عنبسة ، عن
محمد بن عبد الرحمن ، عن
القاسم بن أبي بزة ، عن
مجاهد ، في قوله : (
لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) قال : حتى تتنحنحوا وتتنخموا .
حدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله : (
حتى تستأنسوا ) قال : حتى تجرسوا وتسلموا .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، قوله : (
حتى تستأنسوا ) قال : تنحنحوا وتنخموا .
[ ص: 148 ] قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : سمعت
عطاء بن أبي رباح يخبر عن
ابن عباس ، قال : ثلاث آيات قد جحدهن الناس ، قال الله : (
إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) قال : ويقولون : إن أكرمهم عند الله أعظمهم شأنا ، قال : والإذن كله قد جحده الناس ، فقلت له : أستأذن على أخواتي ، أيتام في حجري ، معي في بيت واحد؟ قال : نعم فرددت على من حضرني ، فأبى ، قال : أتحب أن تراها عريانة؟ قلت : لا قال : فاستأذن ، فراجعته أيضا ، قال : أتحب أن تطيع الله؟ قلت : نعم ، قال : فاستأذن ، فقال لي
سعيد بن جبير : إنك لتردد عليه ، قلت : أردت أن يرخص لي .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وأخبرني
ابن طاوس ، عن أبيه قال : ما من امرأة أكره إلي أن أرى ، كأنه يقول : عريتها أو عريانة ، من ذات محرم ، قال : وكان يشدد في ذلك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، وقال
عطاء بن أبي رباح :
وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا فواجب على الناس أجمعين إذا احتلموا أن يستأذنوا على من كان من الناس ، قلت
لعطاء : أواجب على الرجل أن يستأذن على أمه ، ومن وراءها من ذات قرابته؟ قال : نعم ، قلت : أبر وجب؟ قال : قوله : (
وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وأخبرني
ابن زياد : أن
صفوان مولى لبني زهرة ، أخبره
nindex.php?page=hadith&LINKID=811695عن nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار : أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أستأذن على أمي؟ قال : " نعم " ، قال : إنها ليس لها خادم غيري ، أفأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال : " أتحب أن تراها عريانة؟ " قال الرجل : لا . قال : " فاستأذن عليها " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
الزهري : قال : سمعت
هزيل بن شرحبيل الأودي الأعمى ، أنه سمع
ابن مسعود يقول : عليكم الإذن على أمهاتكم .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قلت
لعطاء : أيستأذن الرجل على امرأته؟ قال : لا .
حدثنا
الحسين ، قال : ثنا
محمد بن حازم ، عن
الأعمش ، عن
عمرو بن مرة ، عن
يحيى بن الجزار ، عن
ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود ، عن
زينب قالت : كان
عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب ، تنحنح وبزق كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه .
[ ص: 149 ] حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قول الله (
يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا ) قال : الاستئناس : التنحنح والتجرس ، حتى يعرفوا أن قد جاءهم أحد ، قال : والتجرس : كلامه وتنحنحه .
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الاستئناس : الاستفعال من الأنس ، وهو أن يستأذن أهل البيت في الدخول عليهم ، مخبرا بذلك من فيه ، وهل فيه أحد؟ وليؤذنهم أنه داخل عليهم ، فليأنس إلى إذنهم له في ذلك ، ويأنسوا إلى استئذانه إياهم .
وقد حكي عن
العرب سماعا : اذهب فاستأنس ، هل ترى أحدا في الدار؟ بمعنى : انظر هل ترى فيها أحدا؟
فتأويل الكلام إذن إذا كان ذلك معناه : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تسلموا وتستأذنوا ، وذلك أن يقول أحدكم : السلام عليكم ، أدخل؟ وهو من المقدم الذي معناه التأخير ، إنما هو حتى تسلموا وتستأذنوا ، كما ذكرنا من الرواية ، عن
ابن عباس .
وقوله : ( ذلكم خير لكم ) يقول : استئناسكم وتسليمكم على أهل البيت الذي تريدون دخوله ، فإن دخولكموه خير لكم ، لأنكم لا تدرون أنكم إذا دخلتموه بغير إذن ، على ماذا تهجمون؟ على ما يسوءكم أو يسركم؟ وأنتم إذا دخلتم بإذن ، لم تدخلوا على ما تكرهون ، وأديتم بذلك أيضا حق الله عليكم في الاستئذان والسلام . وقوله : ( لعلكم تذكرون ) يقول : لتتذكروا بفعلكم ذلك أوامر الله عليكم ، واللازم لكم من طاعته ، فتطيعوه .