القول في تأويل
قوله تعالى : ( فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ( 28 ) )
يقول تعالى ذكره : فإن لم تجدوا في البيوت التي تستأذنون فيها أحدا ، يأذن لكم بالدخول إليها ، فلا تدخلوها ، لأنها ليست لكم ، فلا يحل لكم دخولها إلا بإذن أربابها ، فإن أذن لكم أربابها أن تدخلوها فادخلوها (
وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا ) يقول : وإن قال لكم أهل البيوت التي تستأذنون فيها : ارجعوا فلا تدخلوها ، وارجعوا عنها ولا
[ ص: 150 ] تدخلوها ; (
هو أزكى لكم ) يقول : رجوعكم عنها إذا قيل لكم ارجعوا ، ولم يؤذن لكم بالدخول فيها ، أطهر لكم عند الله . وقوله : ( هو ) كناية من اسم الفعل أعني من قوله : ( فارجعوا ) . وقوله : ( والله بما تعملون عليم ) يقول جل ثناؤه : والله بما تعملون من رجوعكم بعد استئذانكم في بيوت غيركم إذا قيل لكم ارجعوا ، وترك رجوعكم عنها وطاعتكم الله فيما أمركم ونهاكم في ذلك وغيره من أمره ونهيه - ذو علم محيط بذلك كله ، محص جميعه عليكم ، حتى يجازيكم على جميع ذلك .
وكان
مجاهد يقول في تأويل ذلك ما حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
فإن لم تجدوا فيها أحدا ) قال : إن لم يكن لكم فيها متاع ، فلا تدخلوها إلا بإذن (
وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا ) .
حدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
هاشم بن القاسم المزني ، عن
قتادة ، قال : قال رجل من المهاجرين : لقد طلبت عمري كله هذه الآية ، فما أدركتها ، أن أستأذن على بعض إخواني ، فيقول لي ارجع ، فأرجع وأنا مغتبط ، لقوله (
وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ) وهذا القول الذي قاله
مجاهد في تأويل قوله : (
فإن لم تجدوا فيها أحدا ) بمعنى : إن لم يكن لكم فيها متاع ، قول بعيد من مفهوم كلام
العرب ; لأن
العرب لا تكاد تقول : ليس بمكان كذا أحد ، إلا وهي تعني ليس بها أحد من بني آدم .
وأما الأمتعة وسائر الأشياء غير بني آدم ، ومن كان سبيله سبيلهم ، فلا تقول ذلك فيها .