القول في تأويل قوله تعالى : (
والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم ( 60 ) )
[ ص: 216 ] يقول تعالى ذكره : واللواتي قد قعدن عن الولد من الكبر من النساء ، فلا يحضن ولا يلدن ، واحدتهن قاعد (
اللاتي لا يرجون نكاحا ) يقول : اللاتي قد يئسن من البعولة ، فلا يطمعن في الأزواج (
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ) يقول : فليس عليهن حرج ولا إثم أن يضعن ثيابهن ، يعني جلابيبهن ، وهي القناع الذي يكون فوق الخمار ، والرداء الذي يكون فوق الثياب ، لا حرج عليهن أن يضعن ذلك عند المحارم من الرجال ، وغير المحارم من الغرباء غير متبرجات بزينة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا ) وهي المرأة لا جناح عليها أن تجلس في بيتها بدرع وخمار ، وتضع عنها الجلباب ما لم تتبرج لما يكره الله وهو قوله : (
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة ثم قال
وأن يستعففن خير لهن ) .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول ، في قوله : (
يضعن ثيابهن ) يعني الجلباب ، وهو القناع ، وهذا للكبيرة التي قد قعدت عن الولد ، فلا يضرها أن لا تجلبب فوق الخمار . وأما كل امرأة مسلمة حرة ، فعليها إذا بلغت المحيض أن تدني الجلباب على الخمار ، وقال الله في سورة الأحزاب (
يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) وكان
بالمدينة رجال من المنافقين إذا مرت بهم امرأة سيئة الهيئة والزي ، حسب المنافقون أنها مزنية وأنها من بغيتهم ، فكانوا يؤذون المؤمنات بالرفث ولا يعلمون الحرة من الأمة ، فأنزل الله في ذلك (
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) يقول : إذا كان زيهن حسنا لم يطمع فيهن المنافقون .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، في قوله : (
والقواعد من النساء ) التي قعدت من الولد وكبرت . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : قال
مجاهد : (
اللاتي لا يرجون نكاحا ) قال : لا يردنه (
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ) قال : جلابيبهن .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله :
[ ص: 217 ] (
والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة ) قال : وضع الخمار ، قال : التي لا ترجو نكاحا ، التي قد بلغت أن لا يكون لها في الرجال حاجة . ولا للرجال فيها حاجة ، فإذا بلغن ذلك وضعن الخمار . غير متبرجات بزينة ، ثم قال : (
وأن يستعففن خير لهن ) كان أبي يقول هذا كله .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا يحيى
وعبد الرحمن ، قالا ثنا
سفيان ، عن
علقمة بن مرثد ، عن
ذر ، عن
أبي وائل ، عن
عبد الله ، في قوله : (
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ) قال : الجلباب أو الرداء ، شك
سفيان .
قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
مالك بن الحارث ، عن
عبد الرحمن بن يزيد ، عن
عبد الله (
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ) قال : الرداء .
حدثني
يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن
الأعمش ، عن
مالك بن الحارث ، عن
عبد الرحمن بن يزيد ، قال : قال
عبد الله في هذه الآية (
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ) قال : هي الملحفة .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
الحكم ، قال : سمعت
أبا وائل قال : سمعت
عبد الله يقول في هذه الآية (
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ) قال : الجلباب .
حدثنا
يحيى بن سعيد ، عن
شعبة ، قال : أخبرني
الحكم ، عن
أبي وائل ، عن
عبد الله ، مثله .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، عن
الثوري ، عن
الأعمش ، عن
مالك بن الحارث عن
عبد الرحمن بن يزيد ، عن
ابن مسعود ، في قوله : (
أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة ) قال : هو الرداء .
قال
الحسن ، قال :
عبد الرزاق ، قال
الثوري : وأخبرني
أبو حصين وسالم الأفطس ، عن
سعيد بن جبير ، قال : هو الرداء .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن مغيرة ، عن
الشعبي (
أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة ) قال : تضع الجلباب المرأة التي قد عجزت ولم تزوج . قال
الشعبي : فإن
أبي بن كعب يقرأ " أن يضعن من ثيابهن " .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، قال : قلت
لابن أبي نجيح ، قوله : (
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة ) قال : الجلباب ، قال
يعقوب :
[ ص: 218 ] قال
أبو يونس : قلت له : عن
مجاهد؟ قال : نعم ، في الدار والحجرة .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ) قال : جلابيبهن .
وقوله : (
غير متبرجات بزينة ) يقول : ليس عليهن جناح في وضع أرديتهن إذا لم يردن بوضع ذلك عنهن أن يبدين ما عليهن من الزينة للرجال . والتبرج : هو أن تظهر المرأة من محاسنها ما ينبغي لها أن تستره .
وقوله : (
وأن يستعففن خير لهن ) يقول : وإن تعففن عن وضع جلابيبهن وأرديتهن ، فليلبسنها خير لهن من أن يضعنها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
وأن يستعففن خير لهن ) قال : أن يلبسن جلابيبهن .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
الشعبي (
وأن يستعففن خير لهن ) قال : ترك ذلك ، يعني : ترك وضع الثياب .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
وأن يستعففن خير لهن ) والاستعفاف : لبس الخمار على رأسها ، كان أبي يقول هذا كله ( والله سميع ) ما تنطقون بألسنتكم ( عليم ) بما تضمره صدوركم ، فاتقوه أن تنطقوا بألسنتكم ما قد نهاكم عن أن تنطقوا بها ، أو تضمروا في صدوركم ما قد كرهه لكم ، فتستوجبوا بذلك منه عقوبة .