القول في تأويل قوله تعالى : (
الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا ( 2 ) )
يقول تعالى ذكره : تبارك الذي نزل الفرقان (
الذي له ملك السماوات والأرض ) فالذي الثانية من نعت الذي الأولى ، وهما جميعا في موضع رفع ، الأولى بقوله تبارك ، والثانية نعت لها ويعني بقوله : (
الذي له ملك السماوات والأرض ) الذي له سلطان السماوات والأرض ينفذ في جميعها أمره وقضاؤه ، ويمضي في كلها أحكامه ، يقول : فحق على من كان كذلك أن يطيعه أهل مملكته ، ومن في سلطانه ، ولا يعصوه ، يقول : فلا تعصوا نذيري إليكم أيها الناس ، واتبعوه ، واعملوا بما جاءكم به من الحق (
ولم يتخذ ولدا ) يقول : تكذيبا لمن أضاف إليه الولد ، وقال : الملائكة بنات الله ، ما اتخذ الذي نزل الفرقان على عبده ولدا ، فمن أضاف إليه ولدا فقد كذب وافترى على ربه (
ولم يكن له شريك في الملك ) يقول تكذيبا لمن كان يضيف الألوهة إلى الأصنام ويعبدها من دون الله من مشركي العرب ، ويقول في تلبيته : لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ، كذب قائلو هذا القول ، ما كان لله من شريك في ملكه وسلطانه ، فيصلح أن يعبد من دونه . يقول تعالى ذكره : فأفردوا أيها الناس لربكم الذي نزل الفرقان على عبده
محمد نبيه صلى الله عليه وسلم الألوهة ، وأخلصوا له العبادة دون كل ما تعبدونه من دونه من الآلهة والأصنام والملائكة والجن والإنس ، فإن كل ذلك خلقه وفي ملكه ، فلا تصلح العبادة إلا لله الذي هو مالك جميع ذلك ، وقوله : (
وخلق كل شيء ) يقول تعالى ذكره : وخلق الذي نزل على
محمد الفرقان كل شيء ، فالأشياء كلها خلقه وملكه ، وعلى المماليك طاعة مالكهم ، وخدمة سيدهم دون غيره . يقول : وأنا خالقكم ومالككم ، فأخلصوا لي العبادة دون غيري ، وقوله : (
فقدره تقديرا ) يقول : فسوى كل ما خلق ، وهيأه لما يصلح له ، فلا خلل فيه ولا تفاوت .