القول في تأويل قوله تعالى : (
انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ( 9 )
تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ( 10 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : انظر يا
محمد إلى هؤلاء المشركين الذين شبهوا لك الأشباه بقولهم لك : هو مسحور ، فضلوا بذلك عن قصد السبيل ، وأخطئوا طريق الهدى والرشاد ، فلا يستطيعون يقول : فلا يجدون سبيلا إلى الحق ، إلا فيما بعثتك به ، ومن الوجه الذي ضلوا عنه .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : ثني
محمد بن أبي محمد ، عن
سعيد بن جبير ، أو
عكرمة ، عن
ابن عباس (
انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ) أي التمسوا الهدى في غير ما بعثتك به إليهم فضلوا ، فلن يستطيعوا أن يصيبوا الهدى في غيره .
وقال آخرون في ذلك ما حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
فلا يستطيعون سبيلا ) قال : مخرجا يخرجهم من الأمثال التي ضربوا لك .
وقوله : (
تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ) يقول تعالى ذكره : تقدس الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك .
واختلف أهل التأويل في المعني ب : " ذلك " التي في قوله : (
جعل لك خيرا من ذلك ) فقال
[ ص: 242 ] بعضهم : معنى ذلك : خيرا مما قال هؤلاء المشركون لك يا
محمد : هلا أوتيته وأنت لله رسول ، ثم بين تعالى ذكره عن الذي لو شاء جعل له من خير مما قالوا ، فقال : (
جنات تجري من تحتها الأنهار ) .
ذكر من قال ذلك .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك ) خيرا مما قالوا .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، قوله : (
تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك ) قال : مما قالوا وتمنوا لك ، فيجعل لك مكان ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار .
وقال آخرون : عني بذلك المشي في الأسواق ، والتماس المعاش .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
محمد بن أبي محمد ، فيما يرى
الطبري ، عن
سعيد بن جبير ، أو
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : ثم قال : (
تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك ) من أن تمشي في الأسواق ، وتلتمس المعاش كما يلتمسه الناس ، (
جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ) .
قال
أبو جعفر : والقول الذي ذكرناه عن
مجاهد في ذلك أشبه بتأويل الآية ، لأن المشركين إنما استعظموا أن لا تكون له جنة يأكل منها ، وأن لا يلقى إليه كنز واستنكروا أن يمشي في الأسواق ، وهو لله رسول ، فالذي هو أولى بوعد الله إياه أن يكون وعدا بما هو خير مما كان عند المشركين عظيما ، لا مما كان منكرا عندهم ، وعني بقوله : (
جنات تجري من تحتها الأنهار ) بساتين تجري في أصول أشجارها الأنهار .
كما حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
جنات تجري من تحتها الأنهار ) قال : حوائط .
وقوله : (
ويجعل لك قصورا ) يعني بالقصور : البيوت المبنية .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 243 ] ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : قال
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
ويجعل لك قصورا ) قال : بيوتا مبنية مشيدة ، كان ذلك في الدنيا ، قال : كانت
قريش ترى البيت من الحجارة قصرا كائنا ما كان .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد (
ويجعل لك قصورا ) مشيدة في الدنيا ، كل هذا قالته
قريش . وكانت
قريش ترى البيت من حجارة ما كان صغيرا قصرا .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
حبيب قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812437قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن نعطيك من خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم يعط نبي قبلك ، ولا يعطى من بعدك ، ولا ينقص ذلك مما لك عند الله تعالى ، فقال : " اجمعوها لي في الآخرة " ، فأنزل الله في ذلك ( تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ) .