القول في تأويل قوله تعالى : (
وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ( 13 )
لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ( 14 ) )
يقول تعالى ذكره : وإذا ألقي هؤلاء المكذبون بالساعة من النار مكانا ضيقا ، قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال (
دعوا هنالك ثبورا ) .
واختلف أهل التأويل في معنى الثبور ، فقال بعضهم : هو الويل .
[ ص: 245 ] ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس . في قوله : (
وادعوا ثبورا كثيرا ) يقول : ويلا .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ) يقول : لا تدعوا اليوم ويلا واحدا ، وادعوا ويلا كثيرا .
وقال آخرون : الثبور الهلاك .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول ، في قوله : (
لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ) الثبور : الهلاك .
قال
أبو جعفر : والثبور في كلام العرب : أصله انصراف الرجل عن الشيء ، يقال منه : ما ثبرك عن هذا الأمر : أي ما صرفك عنه ، وهو في هذا الموضع دعاء هؤلاء القوم بالندم على انصرافهم عن طاعة الله في الدنيا ، والإيمان بما جاءهم به نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى استوجبوا العقوبة منه ، كما يقول القائل : واندامتاه ، واحسرتاه على ما فرطت في جنب الله : وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من
أهل البصرة يقول في قوله : (
دعوا هنالك ثبورا ) أي هلكة ، ويقول : هو مصدر من ثبر الرجل : أي أهلك ، ويستشهد لقيله في ذلك ببيت
ابن الزبعرى :
إذ أجاري الشيطان في سنن الغي ومن مال ميله مثبورا
وقوله : (
لا تدعوا اليوم ) أيها المشركون ندما واحدا : أي مرة واحدة ، ولكن ادعوا ذلك كثيرا . وإنما قيل : (
لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ) لأن الثبور مصدر ; والمصادر لا تجمع ، وإنما توصف بامتداد وقتها وكثرتها ، كما يقال : قعد قعودا طويلا وأكل أكلا كثيرا .
حدثنا
محمد بن مرزوق ، قال : ثنا
حجاج ، قال : ثنا
حماد قال : ثنا
علي بن زيد ، عن
أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810852أول من يكسى حلة من النار إبليس ، [ ص: 246 ] فيضعها على حاجبيه ، ويسحبها من خلفه ، وذريته من خلفه ، وهو يقول : يا ثبوراه ، وهم ينادون : يا ثبورهم فيقال : ( لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ) " .