القول في تأويل
قوله تعالى : ( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ( 27 )
يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ( 28 )
لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا ( 29 ) )
يقول تعالى ذكره : ويوم يعض الظالم نفسه المشرك بربه على يديه ندما وأسفا على ما فرط في جنب الله ، وأوبق نفسه بالكفر به في طاعة خليله الذي صده عن سبيل ربه ، يقول : يا ليتني اتخذت في الدنيا مع الرسول سبيلا يعني طريقا إلى النجاة من عذاب الله ، وقوله (
يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ) .
اختلف أهل التأويل في المعني بقوله : ( الظالم ) وبقوله : ( فلانا ) فقال بعضهم : عني بالظالم :
عقبة بن أبي معيط ، لأنه ارتد بعد إسلامه ، طلبا منه لرضا
أبي بن خلف ، وقالوا : فلانا هو
أبي .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثني
الحسين ، قال : ثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ، عن
ابن عباس قال : كان
أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وسلم ، فزجره
عقبة بن أبي معيط ، فنزل : (
ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ) . . إلى قوله ( خذولا ) قال : ( الظالم ) :
عقبة ، وفلانا خليلا
أبي بن خلف .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
الشعبي في قوله : (
ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ) قال : كان
عقبة بن أبي معيط خليلا
لأمية بن خلف ، فأسلم
عقبة ، فقال
أمية : وجهي من وجهك حرام إن تابعت
محمدا فكفر ; وهو الذي قال : (
ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ) .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر عن
قتادة وعثمان الجزري ، عن
مقسم في قوله : (
ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ) قال : اجتمع
عقبة بن أبي معيط وأبي بن خلف ، وكانا خليلين ، فقال أحدهما لصاحبه : بلغني أنك أتيت
محمدا فاستمعت منه ، والله لا أرضى عنك حتى تتفل
[ ص: 263 ] في وجهه وتكذبه ، فلم يسلطه الله على ذلك ، فقتل
عقبة يوم بدر صبرا . وأما
أبي بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده يوم أحد في القتال ، وهما اللذان أنزل الله فيهما : (
ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ) .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن
ابن عباس ، (
ويوم يعض الظالم على يديه ) . . إلى قوله : (
فلانا خليلا ) قال : هو
أبي بن خلف ، كان يحضر النبي صلى الله عليه وسلم ، فزجره
عقبة بن أبي معيط .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد :
( ويوم يعض الظالم على يديه ) قال : عقبة بن أبي معيط دعا مجلسا فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لطعام ، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل ، وقال : " ولا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله " ، فقال : ما أنت بآكل حتى أشهد؟ قال : " نعم " ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . فلقيه أمية بن خلف فقال : صبوت؟ فقال : إن أخاك على ما تعلم ، ولكني صنعت طعاما فأبى أن يأكل حتى أقول ذلك ، فقلته ، وليس من نفسي .
وقال آخرون : عنى بفلان : الشيطان .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
فلانا خليلا ) قال : الشيطان .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله . وقوله : (
لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ) يقول جل ثناؤه مخبرا عن هذا النادم على ما سلف منه في الدنيا ، من معصية ربه في طاعة خليله : لقد أضلني عن الإيمان بالقرآن ، وهو الذكر ، بعد إذ جاءني من عند الله ، فصدني عنه ، يقول الله : (
وكان الشيطان للإنسان خذولا ) يقول : مسلما لما ينزل به من البلاء غير منقذه ولا منجيه .