القول في تأويل قوله تعالى : (
وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا ( 47 ) )
يقول تعالى ذكره : الذي مد الظل ثم جعل الشمس عليه دليلا هو الذي جعل لكم أيها الناس الليل لباسا . وإنما قال جل ثناؤه (
جعل لكم الليل لباسا ) لأنه جعله لخلقه جنة يجتنون فيها ويسكنون ، فصار لهم سترا يستترون به ، كما يستترون بالثياب التي يكسونها . وقوله : (
والنوم سباتا ) يقول : وجعل لكم النوم راحة تستريح به أبدانكم ، وتهدأ به جوارحكم . وقوله : (
وجعل النهار نشورا ) يقول تعالى ذكره : وجعل النهار يقظة وحياة من قولهم : نشر الميت ، كما قال الأعشى :
حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر
ومنه قول الله : (
ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا )
وكان
مجاهد يقول في تأويل ذلك ما حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
وجعل النهار نشورا ) قال : ينشر فيه .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في تأويل ذلك ، أنه عقيب قوله : (
والنوم سباتا ) في الليل . فإذ كان ذلك كذلك ، فوصف النهار بأن فيه اليقظة والنشور من النوم أشبه إذ كان النوم أخا الموت . والذي قاله
مجاهد غير بعيد من الصواب ; لأن الله أخبر أنه جعل النهار معاشا ، وفيه الانتشار للمعاش ، ولكن النشور مصدر من قول القائل : نشر ،
[ ص: 279 ] فهو بالنشر من الموت والنوم أشبه ، كما صحت الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=811700كان يقول إذا أصبح وقام من نومه : " الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا ، وإليه النشور " .