القول في تأويل قوله تعالى : (
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ( 68 )
يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ( 69 )
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ( 70 )
ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ( 71 ) )
[ ص: 303 ]
يقول تعالى ذكره : والذين لا يعبدون مع الله إلها آخر ، فيشركون في عبادتهم إياه ، ولكنهم
يخلصون له العبادة ويفردونه بالطاعة (
ولا يقتلون النفس التي حرم الله ) قتلها ( إلا بالحق ) إما بكفر بالله بعد إسلامها ، أو زنا بعد إحصانها ، أو قتل نفس ، فتقتل بها (
ولا يزنون ) فيأتون ما حرم الله عليهم إتيانه من الفروج ( ومن يفعل ذلك ) يقول : ومن يأت هذه الأفعال ، فدعا مع الله إلها آخر ، وقتل النفس التي حرم الله بغير الحق ، وزنى (
يلق أثاما ) يقول : يلق من عقاب الله عقوبة ونكالا كما وصفه ربنا جل ثناؤه ، وهو أنه (
يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ) ، ومن الأثام قول
بلعاء بن قيس الكناني :
جزى الله ابن عروة حيث أمسى عقوقا والعقوق له أثام
يعني بالأثام : العقاب .
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل قوم من المشركين أرادوا الدخول في الإسلام ، ممن كان منه في شركه هذه الذنوب ، فخافوا أن لا ينفعهم مع ما سلف منهم من ذلك إسلام ، فاستفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية ، يعلمهم أن الله قابل توبة من تاب منهم .
[ ص: 304 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : ثني
يعلى بن مسلم ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا ، فأتوا
محمدا صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إن الذي تدعونا إليه لحسن ، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزلت (
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ) ونزلت : (
قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) إلى قوله : (
من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وقال
مجاهد مثل قول
ابن عباس سواء .
حدثنا
عبد الله بن محمد الفريابي ، قال : ثنا
سفيان ، عن
أبي معاوية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12112أبي عمرو الشيباني ، عن
عبد الله ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811701سألت النبي صلى الله عليه وسلم : ما الكبائر ؟ قال : أن تدعو لله ندا وهو خلقك ، وأن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك ، وأن تزني بحليلة جارك ، وقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب الله ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ) .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
أبو عامر ، قال : ثنا
سفيان عن
الأعمش ومنصور ، عن
أبي وائل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12171عمرو بن شرحبيل ، عن
عبد الله ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810857قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك ، قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك " فأنزل تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ) " . . . الآية .
حدثنا
سليمان بن عبد الجبار ، قال : ثنا
علي بن قادم ، قال : ثنا
أسباط بن نصر الهمداني ، عن
منصور ، عن
أبي وائل ، عن
أبي ميسرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه .
حدثني
عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : ثني عمي
يحيى بن عيسى ،
[ ص: 305 ] عن
الأعمش ، عن
سفيان ، عن
عبد الله قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي الذنب أكبر ؟ ثم ذكر نحوه .
حدثني
أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : ثنا
عامر بن مدرك ، قال : ثنا
السري - يعني ابن إسماعيل - قال : ثنا
الشعبي ، عن
مسروق ، قال : قال
عبد الله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812441 " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فاتبعته ، فجلس على نشز من الأرض ، وقعدت أسفل منه ، ووجهي حيال ركبتيه ، فاغتنمت خلوته وقلت : بأبي وأمي يا رسول الله ، أي الذنوب أكبر ؟ قال : " أن تدعو لله ندا وهو خلقك . قلت : ثم مه ؟ قال : " أن تقتل ولدك كراهية أن يطعم معك " . قلت : ثم مه ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " ، ثم تلا هذه الآية : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) . . . إلى آخر الآية .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
طلق بن غنام ، عن
زائدة ، عن
منصور ، قال : ثني
سعيد بن جبير ، أو حدثت عن
سعيد بن جبير ، أن
عبد الرحمن بن أبزى أمره أن يسأل
ابن عباس عن هاتين الآيتين التي في النساء (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) . . . إلى آخر الآية ، والآية التي في الفرقان (
ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) إلى (
ويخلد فيه مهانا ) قال
ابن عباس : إذا دخل الرجل في الإسلام وعلم شرائعه وأمره ، ثم قتل مؤمنا متعمدا ، فلا توبة له ، والتي في الفرقان لما أنزلت قال المشركون من
أهل مكة : فقد عدلنا بالله ، وقتلنا النفس التي حرم الله بغير الحق ، فما ينفعنا الإسلام ؟ قال : فنزلت ( إلا من تاب ) قال : فمن تاب منهم قبل منه .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
منصور ، قال : ثني
سعيد بن جبير ، أو قال : حدثني
الحكم عن
سعيد بن جبير ، قال : أمرني
عبد الرحمن بن أبزى ، فقال : سل
ابن عباس ، عن هاتين الآيتين ، ما أمرهما ؟ عن الآية التي في الفرقان (
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله ) الآية ، والتي في النساء (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) فسألت
ابن عباس عن ذلك ، فقال : لما أنزل الله التي في الفرقان ، قال مشركو
أهل مكة : قد قتلنا النفس التي حرم الله ، ودعونا مع الله إلها آخر ، فقال : (
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ) الآية . فهذه لأولئك . وأما التي في النساء (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) . . . الآية ، فإن الرجل إذا عرف الإسلام ، ثم قتل مؤمنا متعمدا ، فجزاؤه جهنم ، فلا توبة له . فذكرته
لمجاهد ،
[ ص: 306 ] فقال : إلا من ندم .
حدثنا
محمد بن عوف الطائي ، قال : ثنا
أحمد بن خالد الذهني ، قال : ثنا
شيبان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17152منصور بن المعتمر ، قال : ثني
سعيد بن جبير ، قال لي
سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى : سل
ابن عباس ، عن هاتين الآيتين عن قول الله : (
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) . . . إلى ( من تاب ) وعن قوله (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) . . . إلى آخر الآية ، قال : فسألت عنها
ابن عباس ، فقال : أنزلت هذه الآية في الفرقان
بمكة إلى قوله (
ويخلد فيه مهانا ) فقال المشركون : فما يغني عنا الإسلام ، وقد عدلنا بالله ، وقتلنا النفس التي حرم الله ، وأتينا الفواحش ، قال : فأنزل الله (
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ) . . . إلى آخر الآية ، قال : وأما من دخل في الإسلام وعقله ، ثم قتل ، فلا توبة له .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
ابن أبي عدي ، عن
شعبة ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، قال في هذه الآية (
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ) . . . الآية ، قال : نزلت في أهل الشرك .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
منصور ، عن
سعيد بن جبير ، قال : أمرني
عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل
ابن عباس عن هذه الآية (
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) فذكر نحوه .
حدثني
عبد الكريم بن عمير ، قال : ثنا
إبراهيم بن المنذر ، قال : ثنا
عيسى بن شعيب بن ثوبان ، مولى لبني الديل من أهل المدينة ، عن
فليح الشماس ، عن
عبيد بن أبي عبيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العتمة ، ثم انصرفت فإذا امرأة عند بابي ، ثم سلمت ، ففتحت ودخلت ، فبينا أنا في مسجدي أصلي ، إذ نقرت الباب ، فأذنت لها ، فدخلت فقالت : إني جئتك أسألك عن عمل عملت ، هل لي من توبة ؟ فقالت : إني زنيت وولدت ، فقتلته ، فقلت : ولا لا نعمت العين ولا كرامة ، فقامت وهي تدعو بالحسرة تقول : يا حسرتاه ، أخلق هذا الحسن للنار ؟ قال : ثم صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح من تلك الليلة ، ثم جلسنا ننتظر الإذن عليه ، فأذن لنا ، فدخلنا ، ثم خرج من كان معي ، وتخلفت ، فقال : ما لك يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة ، ألك حاجة ؟ فقلت له : يا رسول الله صليت معك البارحة ثم [ ص: 307 ] انصرفت . وقصصت عليه ما قالت المرأة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما قلت لها ؟ قال : قلت لها : لا والله ، ولا نعمت العين ولا كرامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بئس ما قلت ، أما كنت تقرأ هذه الآية ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ) . . . الآية ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ) فقال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : فخرجت ، فلم أترك بالمدينة حصنا ولا دارا إلا وقفت عليه ، فقلت : إن تكن فيكم المرأة التي جاءت nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة الليلة ، فلتأتني ولتبشر ; فلما صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ، فإذا هي عند بابي ، فقلت : أبشري ، فإني دخلت على النبي ، فذكرت له ما قلت لي ، وما قلت لك ، فقال : وبئس ما قلت لها ، أما كنت تقرأ هذه الآية ؟ فقرأتها عليها ، فخرت ساجدة ، فقالت : الحمد لله الذي جعل مخرجا وتوبة مما عملت ، إن هذه الجارية وابنها حران لوجه الله ، وإني قد تبت مما عملت " .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، قال : ثنا
جعفر بن سليمان ، عن
عمرو بن مالك ، عن
أبي الجوزاء ، قال : اختلفت إلى
ابن عباس ثلاث عشرة سنة ، فما شيء من القرآن إلا سألته عنه ، ورسولي يختلف إلى
عائشة ، فما سمعته ولا سمعت أحدا من العلماء يقول : إن الله يقول لذنب : لا أغفره .
وقال آخرون : هذه الآية منسوخة بالتي في النساء .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : أخبرني
المغيرة بن عبد الرحمن الحراني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15786خارجة بن زيد أنه دخل على أبيه وعنده رجل من
أهل العراق ، وهو يسأله عن هذه الآية التي في تبارك الفرقان ، والتي في النساء (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) فقال
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت : قد عرفت الناسخة من المنسوخة ، نسختها التي في النساء بعدها بستة أشهر .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
الضحاك بن مزاحم : هذه السورة بينها وبين النساء (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) ثمان حجج . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وأخبرني
القاسم بن أبي بزة أنه سأل
سعيد بن جبير : هل لمن قتل مؤمنا متعمدا توبة ؟ فقال : لا ، فقرأ عليه هذه الآية كلها ، فقال سعيد بن جبير :
[ ص: 308 ] قرأتها على
ابن عباس كما قرأتها علي ، فقال : هذه مكية ، نسختها آية مدنية ، التي في سورة النساء ، وقد أتينا على البيان عن الصواب من القول في هذه الآية التي في سورة النساء بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وبنحو الذي قلنا في الأثام من القول ، قال أهل التأويل ، إلا أنهم قالوا : ذلك عقاب يعاقب الله به من أتى هذه الكبائر بواد في جهنم يدعى أثاما .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12235أحمد بن المقدام ، قال : ثنا
المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي يحدث ، عن
قتادة ، عن
أبي أيوب الأزدي ، عن
عبد الله بن عمرو ، قال : الأثام : واد في جهنم .
حدثنا
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله : (
يلق أثاما ) قال : واديا في جهنم .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، قال : ثنا
الحسين ، عن
يزيد ، عن
عكرمة ، في قوله : (
ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) قال : واديا في جهنم فيه الزناة .
حدثني
العباس بن أبي طالب ، قال : ثنا
محمد بن زياد ، قال : ثنا
شرقي بن قطامي ، عن
لقمان بن عامر الخزاعي ، قال : جئت
أبا أمامة صدي بن عجلان الباهلي ، فقلت : حدثني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فدعا لي بطعام ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=812443لو أن صخرة زنة عشر عشروات قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها خمسين خريفا ، ثم تنتهي إلى غي وأثام " . قلت : وما غي وأثام ؟ قال : بئران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار ، وهما اللذان ذكر الله في كتابه ( أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) وقوله في الفرقان ( ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
يلق أثاما ) قال : الأثام الشر ، وقال : سيكفيك ما وراء ذلك : (
يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ) .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
يلق أثاما ) قال : نكالا قال : وقال : إنه واد في جهنم .
[ ص: 309 ]
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
هشيم ، قال : أخبرنا
زكريا بن أبي مريم قال : سمعت
أبا أمامة الباهلي يقول : إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة سبعين خريفا بحجر يهوي فيها أو بصخرة تهوي ، عظمها كعشر عشراوات سمان ، فقال له رجل : فهل تحت ذلك من شيء ؟ قال : نعم غي وأثام .
قوله : ( يضاعف له العذاب يوم القيامة ) اختلفت القراء في قراءته ، فقرأته عامة قراء الأمصار سوى
عاصم ( يضاعف ) جزما ( ويخلد ) جزما . وقرأه
عاصم : ( يضاعف ) رفعا ( ويخلد ) رفعا كلاهما على الابتداء ، وأن الكلام عنده قد تناهى عند (
يلق أثاما ) ثم ابتدأ قوله : (
يضاعف له العذاب ) . والصواب من القراءة عندنا فيه : جزم الحرفين كليهما : يضاعف ، ويخلد ، وذلك أنه تفسير للأثام لا فعل له ، ولو كان فعلا له كان الوجه فيه الرفع ، كما قال الشاعر :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد
فرفع تعشو ، لأنه فعل لقوله تأته ، معناه : متى تأته عاشيا .
وقوله (
ويخلد فيه مهانا ) ويبقى فيه إلى ما لا نهاية في هوان . وقوله : (
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا )
[ ص: 310 ] يقول تعالى ذكره : ومن يفعل هذه الأفعال التي ذكرها جل ثناؤه يلق أثاما ( إلا من تاب ) يقول : إلا من راجع طاعة الله تبارك وتعالى بتركه ذلك ، وإنابته إلى ما يرضاه الله ( وآمن ) يقول : وصدق بما جاء به
محمد نبي الله (
وعمل عملا صالحا ) يقول : وعمل بما أمره الله من الأعمال ، وانتهى عما نهاه الله عنه .
قوله : (
فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) . اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : فأولئك يبدل الله بقبائح أعمالهم في الشرك ، محاسن الأعمال في الإسلام ، فيبدله بالشرك إيمانا ، وبقيل أهل الشرك بالله قيل أهل الإيمان به ، وبالزنا عفة وإحصانا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) قال : هم المؤمنون كانوا قبل إيمانهم على السيئات ، فرغب الله بهم عن ذلك ، فحولهم إلى الحسنات ، وأبدلهم مكان السيئات حسنات .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ) . . . إلى آخر الآية ، قال : هم الذين يتوبون فيعملون بالطاعة ، فيبدل الله سيئاتهم حسنات حين يتوبون .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
يعقوب ، عن
سعيد ، قال : نزلت (
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) . . . إلى آخر الآية في وحشي وأصحابه ، قالوا : كيف لنا بالتوبة ، وقد عبدنا الأوثان ، وقتلنا المؤمنين ، ونكحنا المشركات ، فأنزل الله فيهم (
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) فأبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الله ، وأبدلهم بقتالهم مع المشركين قتالا مع المسلمين للمشركين ، وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال
ابن عباس ، في قوله : (
فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) قال : بالشرك إيمانا ، وبالقتل إمساكا ، والزنا إحصانا .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
[ ص: 311 ] الضحاك يقول في قوله : (
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) وهذه الآية مكية نزلت
بمكة ( ومن يفعل ذلك ) يعني : الشرك ، والقتل ، والزنا جميعا . لما أنزل الله هذه الآية قال المشركون من
أهل مكة : يزعم
محمد أن من أشرك وقتل وزنى فله النار ، وليس له عند الله خير ، فأنزل الله ( إلا من تاب ) من المشركين من
أهل مكة ، (
فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) يقول :
يبدل الله مكان الشرك والقتل والزنا : الإيمان بالله ، والدخول في الإسلام ، وهو التبديل في الدنيا . وأنزل الله في ذلك (
يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) يعنيهم بذلك (
لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) يعني ما كان في الشرك ، يقول الله لهم : (
أنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ) ، يدعوهم إلى الإسلام ، فهاتان الآيتان مكيتان والتي في النساء (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) . . . الآية ، هذه مدنية نزلت بالمدينة ، وبينها وبين التي نزلت في الفرقان ثمان سنين ، وهي مبهمة ليس منها مخرج .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
أبو تميلة ، قال ثنا
أبو حمزة ، عن
جابر ، عن
مجاهد ، قال : سئل
ابن عباس عن قول الله جل ثناؤه : (
يبدل الله سيئاتهم حسنات ) فقال :
بدلن بعد حره خريفا وبعد طول النفس الوجيفا
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) . . . إلى قوله : (
ويخلد فيه مهانا ) فقال المشركون : ولا والله ما كان هؤلاء الذين مع
محمد إلا معنا ، قال : فأنزل الله (
إلا من تاب وآمن ) قال : تاب من الشرك ، قال : وآمن بعقاب الله ورسوله (
وعمل عملا صالحا )
[ ص: 312 ] قال : صدق ، (
فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) قال : يبدل الله أعمالهم السيئة التي كانت في الشرك بالأعمال الصالحة حين دخلوا في الإيمان .
وقال آخرون : بل معنى ذلك ، فأولئك يبدل الله سيئاتهم في الدنيا حسنات لهم يوم القيامة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
أحمد بن عمرو البصري ، قال : ثنا
قريش بن أنس أبو أنس ، قال : ثني
صالح بن رستم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب (
فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) قال : تصير سيئاتهم حسنات لهم يوم القيامة .
حدثنا
الحسن بن عرفة ، قال : ثنا
محمد بن خازم أبو معاوية ، عن
الأعمش ، عن
المعرور بن سويد ، عن
أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810858إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار ، وآخر أهل النار دخولا الجنة ، قال : يؤتى برجل يوم القيامة ، فيقال : نحوا كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها ، قال : فيقال له : عملت كذا وكذا ، وعملت كذا وكذا ، قال : فيقول : يا رب لقد عملت أشياء ما أراها هاهنا ، قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ، قال : فيقال له : لك مكان كل سيئة حسنة " .
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب في ذلك ، تأويل من تأوله : فأولئك يبدل الله سيئاتهم : أعمالهم في الشرك حسنات في الإسلام ، بنقلهم عما يسخطه الله من الأعمال إلى ما يرضى .
وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية ، لأن الأعمال السيئة قد كانت مضت على ما كانت عليه من القبح ، وغير جائز تحويل عين قد مضت بصفة إلى خلاف ما كانت عليه إلا بتغييرها عما كانت عليه من صفتها في حال أخرى ، فيجب إن فعل ذلك كذلك أن يصير شرك الكافر الذي كان شركا في الكفر بعينه إيمانا يوم القيامة بالإسلام ومعاصيه كلها بأعيانها طاعة ، وذلك ما لا يقوله ذو حجا .
وقوله : (
وكان الله غفورا رحيما ) يقول تعالى ذكره : وكان الله ذا عفو عن ذنوب من تاب من عباده ، وراجع طاعته ، وذا رحمة به أن يعاقبه على ذنوبه بعد توبته منها . قوله : ( ومن تاب ) يقول : ومن تاب من المشركين ، فآمن بالله ورسوله
[ ص: 313 ] ( وعمل صالحا ) يقول : وعمل بما أمره الله فأطاعه ، فإن الله فاعل به من إبداله سيئ أعماله في الشرك بحسنها في الإسلام ، مثل الذي فعل من ذلك بمن تاب وآمن وعمل صالحا قبل نزول هذه الآية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ) قال : هذا للمشركين الذين قالوا لما أنزلت (
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) . . . إلى قوله (
وكان الله غفورا رحيما ) لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما كان هؤلاء إلا معنا ، قال : ومن تاب وعمل صالحا فإن لهم مثل ما لهؤلاء (
فإنه يتوب إلى الله متابا ) لم تحظر التوبة عليكم .