القول في
تأويل قوله تعالى : ( خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما ( 76 )
قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ( 77 ) )
يقول تعالى ذكره : أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ، خالدين في الغرفة ، يعني أنهم ماكثون فيها ، لابثون إلى غير أمد ، حسنت تلك الغرفة قرارا لهم ومقاما . يقول : وإقامة . وقوله : (
قل ما يعبأ بكم ربي ) يقول جل ثناؤه لنبيه : قل يا
محمد لهؤلاء الذين أرسلت إليهم : أي شيء يعدكم ، وأي شيء يصنع بكم ربي ؟ يقال منه : عبأت به أعبأ عبئا ،
[ ص: 322 ] وعبأت الطيب أعبؤه : إذا هيأته ، كما قال الشاعر :
كأن بنحره وبمنكبيه عبيرا بات يعبؤه عروس
يقول : يهيئه ويعمله يعبؤه عبا وعبوءا ، ومنه قولهم : عبأت الجيش بالتشديد والتخفيف فأنا أعبئه : أهيئه والعبء : الثقل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله : (
قل ما يعبأ بكم ربي ) يصنع
لولا دعاؤكم .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
قل ما يعبأ بكم ربي ) قال : يعبأ : يفعل .
وقوله : (
لولا دعاؤكم ) يقول : لولا عبادة من يعبده منكم ، وطاعة من يطيعه منكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ) يقول : لولا إيمانكم ، وأخبر الله الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين ، ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين .
وحدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
لولا دعاؤكم ) قال : لولا دعاؤكم إياه لتعبدوه وتطيعوه .
[ ص: 323 ]
وقوله : (
فقد كذبتم ) يقول تعالى ذكره لمشركي
قريش قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقد كذبتم أيها القوم رسولكم الذي أرسل إليكم وخالفتم أمر ربكم الذي أمر بالتمسك به لو تمسكتم به ، كان يعبأ بكم ربي ، فسوف يكون تكذيبكم رسول ربكم ، وخلافكم أمر بارئكم ، عذابا لكم ملازما ، قتلا بالسيوف وهلاكا لكم مفنيا يلحق بعضكم بعضا ، كما قال
أبو ذؤيب الهذلي :
ففاجأه بعادية لزام كما يتفجر الحوض اللقيف
يعني باللزام : الكبير الذي يتبع بعضه بعضا ، وباللقيف : المتساقط الحجارة المتهدم ، ففعل الله ذلك بهم ، وصدقهم وعده ، وقتلهم يوم
بدر بأيدي أوليائه ، وألحق بعضهم ببعض ، فكان ذلك العذاب اللزام .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، قال : أخبرني مولى
لشقيق بن ثور أنه سمع
سلمان أبا عبد الله ، قال : صليت مع
ابن الزبير فسمعته يقرأ : فقد كذب الكافرون .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا
سعيد بن أدهم السدوسي ، قال : ثنا
محمد بن جعفر قال : ثنا
شعبة ، عن
عبد المجيد ، قال : سمعت
مسلم بن عمار ، قال : سمعت
ابن عباس يقرأ هذا الحرف : فقد كذب الكافرون (
فسوف يكون لزاما ) .
حدثنا
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : (
قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ) يقول : كذب الكافرون أعداء الله .
[ ص: 324 ]
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
عبد الأعلى ، قال : ثنا
داود ، عن
عامر ، عن
ابن مسعود ، قال : فسوف يلقون لزاما يوم
بدر .
حدثني
أبو السائب ، قال : ثنا
أبو معاوية ، عن
الأعمش ، عن
مسلم ، عن
مسروق . قال : قال
عبد الرحمن : خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروم .
حدثني
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، قوله : (
فسوف يكون لزاما ) قال
أبي بن كعب : هو القتل يوم
بدر .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
عمرو ، عن
مغيرة ، عن
إبراهيم ، قال : اللزام : يوم
بدر .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن ليث ، عن
مجاهد (
فسوف يكون لزاما ) قال : هو يوم
بدر .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
فسوف يكون لزاما ) قال : يوم
بدر .
حدثني
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن
معمر ، عن
منصور ، عن
سفيان ، عن
ابن مسعود ، قال : اللزام ، القتل يوم
بدر .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ) الكفار كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من عند الله ، فسوف يكون لزاما ، وهو يوم
بدر .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
إبراهيم ، عن
عبد الله ، قال : قد مضى اللزام ، كان اللزام يوم
بدر ، أسروا سبعين ، وقتلوا سبعين .
وقال آخرون : معنى اللزام : القتال .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
فسوف يكون لزاما )
[ ص: 325 ] قال : فسوف يكون قتالا ، اللزام : القتال .
وقال آخرون : اللزام : الموت .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس (
فسوف يكون لزاما ) قال : موتا .
وقال بعض أهل العلم بكلام العرب : معنى ذلك : فسوف يكون جزاء يلزم كل عامل ما عمل من خير أو شر . وقد بينا الصواب من القول في ذلك . وللنصب في اللزام وجه آخر غير الذي قلناه ، وهو أن يكون في قوله ( يكون ) مجهول ، ثم ينصب اللزام على الخبر كما قيل :
إذا كان طعنا بينهم وقتالا
وقد كان بعض من لا علم له بأقوال أهل العلم يقول في تأويل ذلك :
قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ما تدعون من دونه من الآلهة والأنداد ، وهذا قول لا معنى للتشاغل به لخروجه عن أقوال أهل العلم من أهل التأويل .
آخر تفسير سورة الفرقان ، والحمد لله وحده .