القول في
تأويل قوله تعالى : ( قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين ( 18 )
وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ( 19 ) )
وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة ما ظهر عليه منه ، وهو : فأتيا
فرعون فأبلغاه رسالة ربهما إليه ، فقال
فرعون : ألم نربك فينا يا
موسى وليدا ، ولبثت فينا من عمرك سنين ؟ وذلك مكثه عنده قبل قتل القتيل الذي قتله من القبط . (
وفعلت فعلتك التي فعلت ) يعني : قتله النفس التي قتل من القبط .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ) قال : قتل النفس .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
وإنما قيل (
وفعلت فعلتك ) لأنها مرة واحدة ، ولا يجوز كسر الفاء إذا أريد بها هذا المعنى . وذكر عن
الشعبي أنه قرأ ذلك : " وفعلت فعلتك " بكسر الفاء ، وهي قراءة لقراءة القراء من أهل الأمصار - مخالفة .
وقوله : (
وأنت من الكافرين ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وأنت من الكافرين بالله على ديننا .
[ ص: 340 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
موسى بن هارون ، قال : ثنا
عمرو ، قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ) يعني على ديننا هذا الذي تعيب .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأنت من الكافرين نعمتنا عليك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ) قال : ربيناك فينا وليدا ، فهذا الذي كافأتنا أن قتلت منا نفسا ، وكفرت نعمتنا ! .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : (
وأنت من الكافرين ) يقول : كافرا للنعمة لأن
فرعون لم يكن يعلم ما الكفر .
قال
أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله
ابن زيد أشبه بتأويل الآية ، لأن
فرعون لم يكن مقرا لله بالربوبية وإنما كان يزعم أنه هو الرب ، فغير جائز أن يقول
لموسى إن كان
موسى كان عنده على دينه يوم قتل القتيل على ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : فعلت الفعلة وأنت من الكافرين ، الإيمان عنده : هو دينه الذي كان عليه
موسى عنده ، إلا أن يقول قائل : إنما أراد : وأنت من الكافرين يومئذ يا
موسى ، على قولك اليوم ، فيكون ذلك وجها يتوجه . فتأويل الكلام إذن : وقتلت الذي قتلت منا وأنت من الكافرين نعمتنا عليك ، وإحساننا إليك في قتلك إياه .
وقد قيل : معنى ذلك : وأنت الآن من الكافرين لنعمتي عليك ، وتربيتي إياك .